الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                هذا إذا كان الإمام مسافرا فأما إذا كان مقيما والصلاة من ذوات الأربع فصلى الأئمة الأربعة كل واحد منهم ركعة وسجدة ثم أحدث الرابع وقدم خامسا فإن كانت الأئمة الأربعة مسبوقين بأن كان كل واحد بعد الأول جاء ساعتئذ فأحدث الرابع وقدم رجلا جاء ساعتئذ وتوضأ الأئمة وجاءوا ينبغي أن يسجد الإمام الخامس السجدات الأربع فيسجد الأولى فيتابعه فيها القوم والإمام الأول ; لأن صلاتهم انتهت إليها ولا يتابعه فيها الإمام الثاني والثالث والرابع في ظاهر الرواية ; لأنها غير محسوبة من صلاة الإمام الخامس فلا تجب عليهم متابعته فيها ، وفي رواية النوادر يسجدونها معه بطريق المتابعة على ما ذكرنا ثم يسجد الثانية ويتابعه فيها القوم والإمام الثاني ; لأنه صلى تلك الركعة وانتهت إلى هذه ولا يتابعه فيها الإمام الأول ; لأنه يصلي الأول فالأول وهو ما صلى تلك الركعة بعد حتى لو كان صلاها وانتهى إلى السجدة الثانية ثم سجد الإمام يتابعه ، وكذا لا يتابعه الثالث والرابع في ظاهر الرواية إلا على رواية النوادر على ما ذكرنا ، ثم يسجد الثالثة ويتابعه فيها القوم والإمام الثالث فقط ، ثم يسجد الرابعة ويتابعه فيها القوم والإمام الرابع فقط ، والحاصل أن كل إمام يتابعه في سجدة ركعته التي صلاها ; لأنه انتهى إليها ولا يتابعه في سجدة الركعة التي هي بعد الركعة التي أدركها ; لأنه في حق تلك الركعة مدرك فيقضي الأول فالأول إلا إذا انتهت صلاته إليها ، وهل يتابعه في سجدة الركعة التي فاتته ؟ فعلى ظاهر الرواية لا وعلى رواية النوادر نعم ثم يتشهد ويتأخر فيقدم سادسا ليسلم بهم لعجزه عن التسليم ويسجد سجدتي السهو لما مر ، ثم يقوم الخامس فيصلي [ ص: 231 ] أربع ركعات ; لأنه مسبوق فيها يقرأ في الأوليين وفي الأخريين هو بالخيار على ما عرف .

                                                                                                                                وأما الإمام الأول فيقضي ثلاث ركعات بغير قراءة ; لأنه مدرك والإمام الثاني يقضي ركعتين بغير قراءة أيضا لأنه لا حق فيهما ثم يقضي ركعة بقراءة لأنه مسبوق فيها والإمام الثالث يقضي الرابعة أولا بغير قراءة ; لأنه لا حق فيها ثم يقضي ركعتين بقراءة ; لأنه مسبوق فيهما ، والإمام الرابع يقضي ثلاث ركعات يقرأ في ركعتين منها وفي الثالثة هو بالخيار ; لأنه مسبوق فيها ، هذا إذا كانت الأئمة الأربعة مسبوقين ، فأما إذا كانوا مدركين فصلى كل واحد منهم ركعة وسجدة ثم أحدث الرابع وقدم خامسا وجاء الأئمة الأربعة فإنه ينبغي للخامس أن يبدأ بالسجدة الأولى ويتابعه فيها الأئمة والقوم ; لأنهم صلوا هذه الركعة وانتهت إلى هذه السجدة ، ثم يسجد الثانية ويتابعه فيها الثاني والثالث والرابع والقوم لهذا المعنى ، ولا يتابعه الأول ; لأنه يصلي الأول فالأول وهو ما أدى تلك الركعة بعد إلا إذا كان عجز فصلى الركعة الثانية وأدرك الإمام في السجدة الثانية فحينئذ يتابعه فيها ، ثم يسجد الثالثة ويتابعه فيها الثالث والرابع لما بينا ولا يتابعه الأول والثاني ; لأنهما لم يصليا الركعة الثالثة بعد ، ثم يسجد الرابعة ويتابعه فيها الرابع ; لأنهم صلوا هذه الركعة وانتهت إلى هذه السجدة ولا يتابعه الأول والثاني والثالث ; لأنهم ما صلوا هذه الركعة بعد ، ثم يقوم الإمام الأول فيقضي ثلاث ركعات والإمام الثاني ركعتين والإمام الثالث الركعة الرابعة بغير قراءة لأنهم مدركون أول الصلاة ، ثم يسلم الخامس ويسجد للسهو والقوم معه لما مر وكل إمام فرغ من إتمام صلاته وأدركه تابعه في سجود السهو ومن لم يدركه أخر سجود السهو إلى آخر الصلاة على ما ذكرنا قبل هذا ، والصحيح أنه يفسد صلاتهم ; لأن استخلاف من لا يصلح أما ما له عمل كثير منه ليس من أعمال الصلاة فتفسد صلاته وصلاتهم بفساد صلاته ، وكذلك عند أبي حنيفة وهي من المسائل الاثني عشرية ، وبعض مشايخنا قالوا : لا تفسد بالإجماع لوجود الصنع من هذا وهو الاستخلاف إلا أن بناء مذهب أبي حنيفة في هذه المسائل على هذا الأصل غير سديد لما ذكرنا في كتاب الطهارة في فصل التيمم ، والأصل في باب الاستخلاف أن كل من صح اقتداء الإمام به يصلح خليفة له وإلا فلا .

                                                                                                                                ولو كان الإمام متيمما وأحدث وقدم متوضئا جاز لأن اقتداء المتيمم بالمتوضئ صحيح بلا خلاف .

                                                                                                                                ولو قدمه ثم وجد الإمام الأول الماء فسدت صلاته وحده ; لأن الإمامة تحولت منه إلى الثاني وصار هو كواحد من القوم ففساد صلاته لا يتعدى إلى غيره ، وإن كان الإمام الأول متوضئا والخليفة متيمم فوجد الخليفة الماء فسدت صلاته وصلاة الأول وصلاة القوم جميعا ; لأن الإمامة تحولت إليه وصار الأول كواحد من المقتدين به وفساد صلاة الإمام يتعدى إلى صلاة القوم .

                                                                                                                                ولو قدم مسبوقا جاز والأولى للإمام المحدث أن يستخلف مدركا لا مسبوقا ; لأنه أقدر على إتمام الصلاة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام { : من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين } ومع هذا لو قدم المسبوق جاز ولكن ينبغي أن لا يتقدم ; لأنه عاجز عن القيام بجميع ما بقي من الأعمال ولو تقدم مع هذا جاز ; لأنه أهل للإمامة وهو قادر على أداء الأركان وهي المقصودة من الصلاة ، فإذا صح استخلافه يتم الصلاة من الموضع الذي وصل إليه الإمام ; لأنه قائم مقامه فإذا انتهى إلى السلام يستخلف هذا الثاني رجلا أدرك أول الصلاة ليسلم بهم ; لأنه عاجز عن السلام لبقاء ما سبق به عليه فصار بسبب العجز عن إتمام الصلاة كالذي سبقه الحدث فيثبت له ولاية استخلاف غيره فيقدم مدركا ليسلم ، ويقوم هو لقضائه ما سبق به والإمام الأول صار مقتديا بالإمام الثاني ; لأن الثاني صار إماما فيخرج الأول من الإمامة ضرورة أن الصلاة الواحدة لا يكون لها إمامان ، وإذا لم يبق إماما وقد بقي هو في الصلاة التي كانت مشتركة بينهم صار مقتديا ضرورة ، فإن توضأ الأول وصلى في بيته ما بقي من صلاته فإن كان قبل فراغ الإمام الثاني من صلاة الأول فسدت صلاته وإن كان بعد فراغه فصلاته تامة على ما مر .

                                                                                                                                ولو قعد الثاني في الرابعة قدر التشهد ثم قهقه انتقض وضوءه وصلاته ، وكذلك إذا أحدث متعمدا أو تكلم أو خرج من المسجد فسدت صلاته لأن الجزء الذي لاقته القهقهة من صلاته قد فسد وقد بقي عليه أركان ، ومن باشر المفسد قبل أداء جميع الأركان يفسد صلاته ، وصلاة المقتدين الذين ليسوا بمسبوقين تامة ; لأن جزءا من صلاتهم وإن فسد بفساد [ ص: 232 ] صلاة الإمام لكن لم يبق عليهم شيء من الأفعال فصلاتهم بدون هذا الجزء جائزة فحكم بجوازها ، فأما المسبوقون فصلاتهم فاسدة ; لأن هذا الجزء من صلاتهم قد فسد وعليهم أركان لم تؤد بعد كمال حق الإمام الثاني ، فأما الإمام الأول فإن كان قد فرغ من صلاته خلف الإمام الثاني فصلاته تامة كغيره من المدركين ، وإن كان في بيته ولم يدخل مع الإمام الثاني في الصلاة ففيه روايتان ، ذكر في رواية أبي سليمان أن صلاته فاسدة وذكر في رواية أبي حفص أن صلاته لا تفسد .

                                                                                                                                وجه رواية أبي سليمان أن قهقهة الإمام كقهقهة المقتدي في إفساد الصلاة ألا يرى أن صلاة المسبوقين فاسدة ولو قهقه المقتدي نفسه في هذه الحالة لفسدت صلاته لبقاء الأركان عليه فكذا هذا .

                                                                                                                                وجه رواية أبي حفص أن صلاة الإمام والمسبوق إنما تفسد ; لأن الجزء الذي لابسته القهقهة أفسدته من وسط صلاتهم فإذا فسد الجزء فسدت الصلاة ، فأما هذا الجزء في حق صلاة الإمام الأول وهو مدرك لأول الصلاة فمن آخر صلاته ; لأنه يأتي بما يدركه أولا ثم يأتي بما يدرك مع الإمام وإلا فيأتي به وحده فلا يكون فساد هذا الجزء موجبا فساد صلاته كما لو كان أتى وصلى ما تركه وأدرك الإمام وصلى بقية الصلاة وقعد مع الإمام ثم قهقه الإمام الثاني لا تفسد صلاة الإمام الأول كذا هذا .

                                                                                                                                ولو كان من خلف المحدث كلهم مسبوقين ينظر إن بقي على الإمام شيء من الصلاة فإنه يستخلف واحدا منهم ; لأن المسبوق يصلح خليفة لما بينا فيتم صلاة الإمام ثم يقوم إلى قضاء ما سبق به من غير تسليم لبقاء بعض أركان الصلاة عليه وكذا القوم يقومون من غير تسليم ويصلون وحدانا وإن لم يبق على الإمام شيء من صلاته قاموا من غير أن يسلموا وأتموا صلاتهم وحدانا لوجوب الانفراد عليهم في هذه الحالة .

                                                                                                                                ولو صلى الإمام ركعة ثم أحدث فاستخلف رجلا نام من هذه الركعة وقد أدرك أولها أو كان ذهب ليتوضأ جاز لكن لا ينبغي للإمام أن يقدمه ولا لذلك الرجل أن يتقدم وإن قدم ينبغي أن يتأخر ويقدم هو غيره ; لأن غيره أقدر على إتمام صلاة الإمام وإنه يحتاج إلى البداية بما فاته فإن لم يفعل وتقدم جاز ; لأنه قادر على الإتمام في الجملة ، وإذا تقدم ينبغي أن يشير إليهم لينتظروه إلى أن يصلي ما فاته وقت نومه أو ذهابه للتوضؤ ثم يصلي بهم بقية الصلاة ; لأنه مدرك فينبغي أن يصلي الأول فالأول ، وإن لم يفعل هكذا ولكنه أتم صلاة الإمام ثم قدم مدركا فسلم بهم ثم قام فيقضي ما فاته أجزأه عندنا خلافا لزفر .

                                                                                                                                وجه قوله أنه مأمور بالبداية بالركعة الأولى فإذا لم يفعل فقد ترك الترتيب المأمور به فتفسد صلاته كالمسبوق إذا بدأ بقضاء ما فاته قبل أن يتابع الإمام فيما أدركه معه .

                                                                                                                                ( ولنا ) أنه أتى بجميع أركان الصلاة إلا أنه ترك الترتيب في أفعالها ، والترتيب في أفعال الصلاة واجب وليس بفرض ; لأن الترتيب لو ثبتت فرضيته لكان فيه زيادة على الأركان والفرائض ، وذا جار مجرى النسخ ولا يثبت نسخ ما ثبت بدليل مقطوع به إلا بدليل مثله ، ولا دليل لمن جعل الترتيب فرضا ليساوي دليل افتراض سائر الأركان ، والدليل عليه أنه لو ترك سجدة من الركعة الأولى إلى آخر صلاته لم تسقط صلاته ولو كان الترتيب في أفعال صلاة واحدة فرضا لفسدت ، وكذا المسبوق إذا أدرك الإمام في السجود يتابعه فيه فدل أن مراعاة الترتيب في صلاة واحدة ليست بفرض فتركها لا يوجب فساد الصلاة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية