الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا

                                                                                                                                                                                              في "الصحيحين " عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . فقال: أي آية؟ قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فقال عمر : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمبعرفة يوم جمعة .

                                                                                                                                                                                              وخرج الترمذي عن ابن عباس نحوه، وقال فيه: نزلت في يوم عيد من يوم جمعة ويوم عرفة .

                                                                                                                                                                                              العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو: بمولاهم، إذا فازوا بإكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته، كما قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك [ ص: 384 ] فليفرحوا هو خير مما يجمعون

                                                                                                                                                                                              * * * وقد يجتمع في يوم واحد عيدان، كما إذا اجتمع يوم الجمعة مع يوم عرفة أو يوم النحر، فيزداد ذلك اليوم حرمة وفضلا، لاجتماع عيدين فيه . وقد كان ذلك; اجتمع للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حجته يوم عرفة، فكان يوم جمعة، وفيه نزلت هذه الآية : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل من وجوه:

                                                                                                                                                                                              منها: أن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام بعد فرض الحج قبل ذلك، ولا أحد منهم، هذا قول أكثر العلماء أو كثير منهم، فكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها .

                                                                                                                                                                                              ومنها: أن الله تعالى أعاد الحج على قواعد إبراهيم عليه السلام، ونفى الشرك وأهله، فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد . قال الشعبي : نزلت هذه الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بعرفة حين وقف موقف إبراهيم، واضمحل الشرك، وهدمت منار الجاهلية، ولم يطف بالبيت عريان . وكذا قال قتادة وغيره . وقد قيل: إنه لم ينزل بعدها تحليل ولا تحريم، قاله أبو بكر بن عياش .

                                                                                                                                                                                              وأما إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة، فلا تتم النعمة بدونها، كما قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك [ ص: 385 ] صراطا مستقيما وقال تعالى في آية الوضوء: ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ومن هنا استنبط محمد بن كعب القرظي بأن الوضوء يكفر الذنوب، كما وردت السنة بذلك صريحا، ويشهد له أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يدعو ويقول: اللهم إني أسألك تمام النعمة . فقال له: "تمام النعمة: النجاة من النار، ودخول الجنة " . فهذه الآية تشهد لما روي في يوم عرفة أنه يوم المغفرة والعتق من النار .

                                                                                                                                                                                              * * *

                                                                                                                                                                                              [قال البخاري ] : "باب: زيادة الإيمان ونقصانه ": وقول الله تعالى: وزدناهم هدى ويزداد الذين آمنوا إيمانا وقال: اليوم أكملت لكم دينكم فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص .

                                                                                                                                                                                              استدل البخاري على زيادة الإيمان ونقصانه بقول الله عز وجل: وزدناهم هدى وفي زيادة الهدى إيمان آخر، كقوله تعالى: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى

                                                                                                                                                                                              ويفسر هذا الهدى بما في القلوب من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتفاصيل ذلك . ويفسر بزيادة ما يترتب على ذلك من الأعمال الصالحة: إما القائمة [ ص: 386 ] بالقلوب، كالخشية لله ومحبته ورجائه والرضا بقضائه والتوكل عليه، ونحو ذلك . أو المفعولة بالجوارح كالصلاة والصيام والصدقة والحج والجهاد والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك . وكل ذلك داخل في مسمى الإيمان عند السلف وأهل الحديث ومن وافقهم، كما سبق ذكره . واستدل - أيضا - بقوله تعالى: ويزداد الذين آمنوا إيمانا وفي معنى هذه الآية: قوله تعالى: وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وقوله: فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا ويفسر الإيمان في هذه الآيات بمثل ما فسر به الهدى في الآيات المتقدمة . واستدل - أيضا - بقول الله عز وجل: اليوم أكملت لكم دينكم فدل على أن الدين ذو أجزاء، يكمل بكمالها، وينقص بفوات بعضها . وهذه الآية نزلت في آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، وقد قيل: إنه لم ينزل بعدها حلال ولا حرام، كما قاله السدي وغيره . وكذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : قال: بعث الله نبيه بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدقوا بها زادهم الصيام، فلما صدقوا به زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها زادهم الحج، فلما صدقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل الله لهم دينهم، فقال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يحجوا حجة الفرض إلا ذلك العام، [ ص: 387 ] فلما حجوا حجة الإسلام كمل لهم الدين بتكميلهم أركان الإسلام حينئذ . ولم يكن الدين قبل ذلك ناقصا، كنقص من ترك شيئا من واجبات دينه، بل كان الدين في كل زمان كاملا بالنسبة إلى ذلك الزمان بما فيه من الشرائع والأحكام، وإنما هو ناقص بالنسبة إلى زمان الذي بعده الذي تجدد فيه من الشرائع والأحكام ما لم يكن قبل ذلك .

                                                                                                                                                                                              كما يقال: إن شريعة الإسلام أكمل من شريعة موسى وعيسى ، وإن القرآن أكمل من التوراة والإنجيل . وهذا كما سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء ناقصات دين، وفسر نقصان دينهن بترك الصلاة والصيام في زمن حيضهن، مع أنها قائمة في تلك الحال بما وجب عليها من غير الصلاة، ولكن نقصان دينها بالنسبة إلى من هي طاهرة تصلي وتصوم . وهذا مبني على أن الدين هو الإسلام بكماله، كما تقدم ذكره، والبخاري عنده أن الإسلام والإيمان واحد، كما تقدم ذكره .

                                                                                                                                                                                              وقد احتج سفيان بن عيينة وأبو عبيد وغيرهم بهذه الآية على تفاضل الإيمان .

                                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : قد أخبر الله أنه أكمل الدين في حجة الوداع في آخر الإسلام، وزعم هؤلاء أنه كان كاملا قبل ذلك بعشرين سنة في أول ما نزل الوحي . قال: وقد اضطر بعضهم حين أدخلت عليه هذه الحجة إلى أن قال: الإيمان ليس هو مجموع الدين، ولكن الدين ثلاثة أجزاء، فالإيمان جزء، والفرائض [ ص: 388 ] جزء، والنوافل جزء . قال أبو عبيد : وهذا غير ما نطق به الكتاب، فإن الله أخبر أن الإسلام هو الدين برمته، وزعم هؤلاء أنه ثلث الدين . انتهى .

                                                                                                                                                                                              فالمرجئة، عندهم: الإيمان التصديق، ولا يدخل فيه الأعمال، وأما الدين فأكثرهم أدخل الأعمال في مسماه، وبعضهم خالف في ذلك - أيضا، والآية نص في رد ذلك . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                              ثم خرج البخاري في هذا الباب حديثين:

                                                                                                                                                                                              أحدهما: حديث هشام الدستوائي: ثنا قتادة عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير" . خرجه عن مسلم بن إبراهيم، عن هشام ، به .

                                                                                                                                                                                              ثم قال: وقال أبان: ثنا قتادة ثنا أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من إيمان "، مكان: "من خير" . ففي هذه الرواية التي ذكرها تعليقا: التصريح بتفاوت الإيمان الذي في القلوب . وأيضا; فيها: التصريح بسماع قتادة له من أنس ، فزال ما كان يتوهم من تدليس قتادة . [ ص: 389 ] وقد خرج البخاري هذه اللفظة في حديث أنس في أواخر كتابه مسندة . من رواية معبد بن هلال العنزي، عن أنس .

                                                                                                                                                                                              وخرج حديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى فيما تقدم من "كتابه " باختلاف لفظ الخير والإيمان، كاختلاف حديث أنس . والحديث نص في تفاوت الإيمان الذي في القلوب، وقد سبق القول في تفاوت المعرفة وتفاضلها فيما تقدم .

                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني الذي خرجه في هذا الباب:

                                                                                                                                                                                              حديث: طارق بن شهاب ، عن عمر بن الخطاب ، أن رجلا من اليهود . قال له: يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية؟ قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام فقال عمر . قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بعرفة يوم الجمعة .

                                                                                                                                                                                              وقد خرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" من وجه آخر عن عمر . وزاد فيه: أنه قال: وكلاهما بحمد الله لنا عيد .

                                                                                                                                                                                              وخرج الترمذي ، عن ابن عباس ، أنه قرأ هذه الآية، وعنده يهودي . فقال: لو أنزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيدا، فقال ابن عباس : فإنها . [ ص: 390 ] نزلت في يوم عيدين: في يوم جمعة، ويوم عرفة . فهذا قد يؤخذ منه أن الأعياد لا تكون بالرأي والاختراع كما يفعله أهل الكتابين من قبلنا، وإنما تكون بالشرع والاتباع . فهذه الآية لما تضمنت إكمال الدين وإتمام النعمة، أنزلها الله في يوم شرعه عيدا لهذه الأمة من وجهين:

                                                                                                                                                                                              أحدهما: أنه يوم عيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة .

                                                                                                                                                                                              والثاني: أنه يوم عيد أهل الموسم، وهو يوم مجمعهم الأكبر وموقفهم الأعظم .

                                                                                                                                                                                              وقد قيل: إنه يوم الحج الأكبر .

                                                                                                                                                                                              وقد جاء تسميته عيدا في حديث مرفوع خرجه أهل "السنن" من حديث عقبة بن عامر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب " . وقد أشكل وجهه على كثير من العلماء، لأنه يدل على أن يوم عرفة يوم عيد لا يصام، كما روي ذلك عن بعض المتقدمين .

                                                                                                                                                                                              وحمله بعضهم على أهل الموقف .

                                                                                                                                                                                              وهو الأصح، لأنه اليوم الذي فيه أعظم مجامعهم، ومواقفهم، بخلاف أهل الأمصار فإن يوم اجتماعهم يوم النحر، وأما أيام التشريق فيشارك أهل الأمصار أهل الموسم فيها; لأنها أيام ضحاياهم وأكلهم من نسكهم، هذا قول جمهور العلماء . [ ص: 391 ] وقال عطاء : إنما هي أعياد لأهل الموسم، فلا ينهى أهل الأمصار عن صيامها .

                                                                                                                                                                                              وقول الجمهور أصح .

                                                                                                                                                                                              ولكن الأيام التي تحدث فيها حوادث من نعم الله على عباده، لو صامها بعض الناس شكرا، من غير اتخاذها عيدا، كان حسنا، استدلالا لصيام النبي - صلى الله عليه وسلم - عاشوراء، لما أخبره اليهود بصيام موسى له شكرا، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن صيام يوم الاثنين . قال: "ذلك يوم ولدت فيه، وأنزل علي فيه" .

                                                                                                                                                                                              فأما الأعياد التي يجتمع عليها الناس، فلا يتجاوز بها ما شرعه الله لرسوله، وشرعه الرسول لأمته .

                                                                                                                                                                                              والأعياد هي مواسم الفرح والسرور، وإنما شرع الله لهذه الأمة الفرح والسرور بتمام نعمته وكمال رحمته، كما قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا فشرع لهم عيدين في سنة، وعيدا في كل أسبوع .

                                                                                                                                                                                              فأما عيدا السنة: فأحدهما: تمام صيامهم الذي افترضه عليهم كل عام، فإذا أتموا صيامهم أعتقهم من النار، فشرع لهم عيدا بعد إكمال صيامهم، وجعله يوم الجوائز . يرجعون فيه من خروجهم إلى صلاتهم وصدقتهم بالمغفرة، وتكون صدقة الفطر وصلاة العيد شكرا لذلك . [ ص: 392 ] والعيد الثاني: أكبر العيدين، عند تمام حجهم، بإدراك حجهم بالوقوف بعرفة، وهو يوم العتق من النار، ولا يحصل العتق من النار والمغفرة للذنوب والأوزار في يوم من أيام السنة أكثر منه، فجعل الله عقب ذلك عيدا . بل هو العيد الأكبر، فيكمل أهل الموسم فيه مناسكهم، ويقضون فيه تفثهم، ويوفون نذورهم، ويطوفون بالبيت العتيق . ويشاركهم أهل الأمصار في هذا العيد; فإنه يشاركونهم في يوم عرفة في العتق والمغفرة، وإن لم يشاركوهم في الوقوف بعرفة، لأن الحج فريضة العمر لا فريضة كل عام، بخلاف الصيام . ويكون شكر عيد أهل الأمصار: الصلاة والنحر، والنحر أفضل من الصدقة التي في يوم الفطر، ولهذا أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يشكر نعمته عليه بإعطائه الكوثر بالصلاة له والنحر، كما شرع ذلك لإبراهيم خليله - عليه السلام - عند أمره بذبح ولده وافتدائه بذبح عظيم .

                                                                                                                                                                                              وأما عيد الأسبوع، فهو يوم الجمعة، وهو متعلق بإكمال فريضة الصلاة . فإن الله فرض على عباده المسلمين الصلاة كل يوم وليلة خمس مرات، فإذا كملت أيام الأسبوع التي تدور الدنيا عليها، وأكملوا صلاتهم عليها، شرع لهم يوم إكمالها - وهو اليوم الذي انتهى فيه الخلق، وفيه خلق آدم، وأدخل الجنة - عيدا، يجتمعون فيه على صلاة الجمعة . وشرع لهم الخطبة تذكيرا بنعم الله عليهم، وحثا لهم على شكرها، وجعل [ ص: 393 ] شهود الجمعة بأدائها كفارة لذنوب الجمعة كلها وزيادة ثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                              وقد روي أن يوم الجمعة أفضل من يوم الفطر ويوم النحر .

                                                                                                                                                                                              خرجه الإمام أحمد في "مسنده " .

                                                                                                                                                                                              وقاله مجاهد وغيره .

                                                                                                                                                                                              وروي أنه حج المساكين .

                                                                                                                                                                                              وروي عن علي، أنه يوم نسك المسلمين .

                                                                                                                                                                                              وقال ابن المسيب : الجمعة أحب إلي من حج التطوع .

                                                                                                                                                                                              وجعل الله التبكير إلى الجمعة كالهدي، فالمبكر في أول ساعة كالمهدي بدنة، ثم كالمهدي بقرة، ثم كالمهدي كبشا، ثم كالمهدي دجاجة، ثم كالمهدي بيضة .

                                                                                                                                                                                              ويوم الجمعة يوم المزيد في الجنة، الذي يزور أهل الجنة فيه ربهم، يتجلى لهم في قدر صلاة الجمعة .

                                                                                                                                                                                              وكذلك روي في يوم العيدين أن أهل الجنة يزورون ربهم فيها، وأنه يتجلى بها لأهل الجنة عموما، يشارك الرجال فيها النساء . فهذه الأيام أعياد للمؤمنين في الدنيا، وفي الآخرة عموما .

                                                                                                                                                                                              وأما خواص المؤمنين، فكل يوم لهم عيد، كما قال بعض العارفين . [ ص: 394 ] وروي عن الحرم: كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد .

                                                                                                                                                                                              ولهذا روي أن خواص أهل الجنة يزورون ربهم، وينظرون إليه كل يوم مرتين بكرة وعشيا .

                                                                                                                                                                                              وقد خرجه الترمذي من حديث ابن عمر - مرفوعا، وموقوفا . ولهذا المعنى - والله أعلم - لما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرؤية في حديث جرير بن عبد الله البجلي ، أمر عقب ذلك بالمحافظة على الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فإن هذين الوقتين وقت لرؤية خواص أهل الجنة ربهم، فمن حافظ على هاتين الصلاتين على مواقيتهما، وأدائهما . وخشوعهما، وحضور القلب فيهما، رجي له أن يكون ممن ينظر إلى الله في الجنة في وقتهما .

                                                                                                                                                                                              فتبين بهذا: أن الأعياد تتعلق بإكمال أركان الإسلام، فالأعياد الثلاثة المجتمع عليها تتعلق بإكمال الصلاة والصيام والحج .

                                                                                                                                                                                              فأما الزكاة، فليس لها زمان معين تكمل فيه . وأما الشهادتان، فإكمالهما هو الاجتهاد في الصدق فيهما، وتحقيقهما والقيام بحقوقهما .

                                                                                                                                                                                              وخواص المؤمنين يجتهدون على ذلك كل يوم ووقت، فلهذا كانت أيامهم كلها أعيادا، ولذلك كانت أعيادهم في الجنة مستمرة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية