الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 283 ] باب تحريم القراءة على الحائض والجنب

                                                                                                                                            298 - ( عن علي كرم الله وجهه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته ، ثم يخرج فيقرأ القرآن ، ويأكل معنا اللحم ولا يحجبه وربما قال : لا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة } رواه الخمسة لكن لفظ الترمذي مختصر : كان يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا ، وقال : حديث حسن صحيح ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أيضا أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبزار والدارقطني والبيهقي ، وصححه أيضا ابن حبان وابن السكن وعبد الحق ، والبغوي في شرح السنة . وقال ابن خزيمة : هذا الحديث ثلث رأس مالي . وقال شعبة : ما أحدث بحديث أحسن منه ، قال الشافعي : أهل الحديث لا يثبتونه . قال البيهقي : إنما قال ذلك ; لأن عبد الله بن سلمة راويه كان قد تغير ، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر ، قاله شعبة ، وقال الخطابي : كان أحمد يوهن هذا الحديث . وقال النووي : خالف الترمذي الأكثرون ، فضعفوا هذا الحديث ، وقد قدمنا من صححه مع الترمذي . وحكى البخاري عن عمرو بن مرة الراوي لهذا الحديث عنه أنه قال : كان عبد الله بن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر .

                                                                                                                                            والحديث يدل على أن الجنب لا يقرأ القرآن ، وقد ذهب إلى تحريم قراءة القرآن على الجنب القاسم والهادي والشافعي من غير فرق بين الآية وما دونها وما فوقها . وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز له قراءة دون آية إذ ليس بقرآن .

                                                                                                                                            وقال المؤيد بالله والإمام يحيى وبعض أصحاب أبي حنيفة : يجوز ما فعل لغير التلاوة كيا مريم اقنتي ، لا لقصد التلاوة . احتج الأولون القائلون بالتحريم بحديث الباب . وحديث ابن عمر الذي سيأتي . وحديث : { اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابته فلا ، ولا حرفا } ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب ليس فيه ما يدل على التحريم ; لأن غايته أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة ، ومثله لا يصلح متمسكا للكراهة ، فكيف يستدل به على التحريم ؟ . وأما حديث ابن عمر ففيه مقال سنذكره عند ذكره ، لا ينتهض معه للاستدلال . وأما حديث { اقرءوا القرآن } . . . إلخ فهو غير مرفوع بل موقوف على علي عليه السلام ، إلا أنه أخرج أبو يعلى من حديث علي قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ، ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال : هكذا لمن ليس بجنب ، فأما الجنب فلا ، ولا آية } قال الهيثمي : ورجاله موثقون فإن صح هكذا صلح للاستدلال به على التحريم .

                                                                                                                                            وقد أخرج البخاري عن ابن عباس أنه لم ير في القراءة للجنب بأسا ، ويؤيده التمسك بعموم حديث عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل [ ص: 284 ] أحيانه } وبالبراءة الأصلية حتى يصح ما يصلح لتخصيص هذا العموم ، وللنقل عن هذه البراءة .

                                                                                                                                            299 - ( وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يقرأ الجنب ، ولا الحائض شيئا من القرآن } رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ) . الحديث في إسناده إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة ، وهذا منها ، وذكر البزار أنه تفرد به عن موسى بن عقبة ، وسبقه إلى نحو ذلك البخاري ، وتبعهما البيهقي ، لكن رواه الدارقطني من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى ، ومن وجه آخر وفيه مبهم عن أبي معشر ، وهو ضعيف عن موسى ، قال الحافظ : وصحح ابن سيد الناس طريق المغيرة ، وأخطأ في ذلك ، فإن فيها عبد الملك بن مسلمة وهو ضعيف ، فلو سلم منه لصح إسناده ، وإن كان ابن الجوزي ضعفه بمغيرة بن عبد الرحمن فلم يصب في ذلك ، فإن مغيرة ثقة . وقال أبو حاتم : حديث إسماعيل بن عياش هذا خطأ ، وإنما هو من قول ابن عمر . وقال أحمد بن حنبل : هذا باطل أنكر على إسماعيل بن عياش .

                                                                                                                                            والحديث يدل على تحريم القراءة على الجنب ، وقد عرفت بما ذكرنا أنه لا ينتهض للاحتجاج به على ذلك ، وقد قدمنا الكلام على ذلك في الحديث الذي قبل هذا ، ويدل أيضا على تحريم القراءة على الحائض وقد قال به قوم . والحديث هذا والذي بعده لا يصلحان للاحتجاج بهما . على ذلك ، فلا يصار إلى القول بالتحريم إلا لدليل .

                                                                                                                                            300 - ( وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : لا تقرأ الحائض ولا النفساء من القرآن شيئا } . رواه الدارقطني ) . الحديث فيه محمد بن الفضل وهو متروك ، ومنسوب إلى الوضع ، وقد روي موقوفا ، وفيه يحيى بن أبي أنيسة وهو كذاب . وقال البيهقي : هذا الأثر ليس بالقوي ، وصح عن عمر أنه كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب ، وساقه عنه في الخلافيات بإسناد صحيح .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية