الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ( 9 ) )

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) وذلك هو النداء ، ينادى بالدعاء إلى صلاة الجمعة عند قعود الإمام على المنبر للخطبة ; ومعنى الكلام : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ( فاسعوا إلى ذكر الله ) يقول : فامضوا إلى ذكر الله ، واعملوا له; وأصل السعي في هذا الموضع العمل ، وقد ذكرنا الشواهد على ذلك فيما مضى قبل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا إسماعيل بن عياش ، عن شرحبيل بن مسلم الخولاني ، في قول الله : ( فاسعوا إلى ذكر الله ) قال : فاسعوا في العمل ، وليس السعي في المشي .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) والسعي [ ص: 381 ] يا ابن آدم أن تسعى بقلبك وعملك ، وهو المضي إليها .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، قال : أخبرني مغيرة ، عن إبراهيم أنه قيل لعمر رضي الله عنه : إن أبيا يقرؤها ( فاسعوا ) قال : أما إنه أقرؤنا وأعلمنا بالمنسوخ وإنما هي : فامضوا .

حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري ، قال : أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : ما سمعت عمر يقرؤها قط إلا : فامضوا .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا حنظلة ، عن سالم بن عبد الله ، قال : كان عمر رضي الله عنه يقرؤها : فامضوا إلى ذكر الله .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن حنظلة ، عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قرأها : فامضوا .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا حنظلة بن أبي سفيان الجمحي ، أنه سمع سالم بن عبد الله يحدث عن أبيه ، أنه سمع عمر بن الخطاب يقرأ ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله )

قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر ، أن عبد الله قال : لقد توفى الله عمر رضي الله عنه ، وما يقرأ هذه الآية التي ذكر الله فيها الجمعة : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) إلا : فامضوا إلى ذكر الله .

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : كان عبد الله يقرؤها "فامضوا إلى ذكر الله" ويقول : لو قرأتها : فاسعوا ، لسعيت حتى يسقط ردائي .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله : لو كان السعي لسعيت حتى يسقط ردائي ، قال : ولكنها ( فامضوا إلى ذكر الله ) قال : هكذا كان يقرؤها . [ ص: 382 ]

حدثني علي بن الحسين الأزدي ، قال : ثنا يحيى بن يمان الأزدي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع عن أبي العالية أنه يقرؤها ( فامضوا إلى ذكر الله )

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، أنه قرأها ( فامضوا إلى ذكر الله )

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : هي للأحرار .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور عن رجل ، عن مسروق ، قال : عند الوقت .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن رجل ، عن مسروق ( إذا نودي للصلاة ) قال : عند الوقت .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : هو عند العزمة عند الخطبة ، عند الذكر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) قال : النداء عند الذكر عزيمة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) قال : العزمة عند الذكر عند الخطبة .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن المغيرة والأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، قال : لو قرأتها ( فاسعوا ) لسعيت حتى يسقط ردائي ، وكان يقرؤها : ( فامضوا إلى ذكر الله )

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبي ، عن ابن مسعود قال : قرأها ( فامضوا )

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي حيان ، عن عكرمة ( فاسعوا إلى ذكر الله ) قال : السعي : العمل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وسألته عن قول الله : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) قال : إذا سمعتم الداعي الأول ، فأجيبوا إلى ذلك وأسرعوا ولا تبطئوا; قال : ولم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أذان إلا أذانان : أذان حين يجلس على المنبر ، وأذان حين يقام الصلاة; قال : وهذا الآخر شيء أحدثه الناس بعد; قال : لا يحل له البيع إذا سمع النداء الذي يكون بين يدي الإمام إذا قعد على المنبر وقرأ : ( فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) قال : ولم يأمرهم يذرون شيئا غيره ، حرم البيع ثم أذن لهم فيه إذا فرغوا من الصلاة ، قال : والسعي أن يسرع إليها ، أن يقبل إليها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : إن في حرف ابن مسعود ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله )

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فاسعوا إلى ذكر الله ) السعي : هو العمل ، قال الله : ( إن سعيكم لشتى ) .

وقوله : ( وذروا البيع ) يقول : ودعوا البيع والشراء إذا نودي للصلاة عند الخطبة .

وكان الضحاك يقول في ذلك ما حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء . [ ص: 384 ]

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) قال : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء .

حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل السدي ، عن أبي مالك ، قال : كان قوم يجلسون في بقيع الزبير ، فيشترون ويبيعون إذا نودي للصلاة يوم الجمعة ، ولا يقومون ، فنزلت : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) وأما الذكر الذي أمر الله تبارك وتعالى بالسعي إليه عباده المؤمنين ، فإنه موعظة الإمام في خطبته ، فيما قيل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) قال : العزمة عند الذكر عند الخطبة .

حدثنا عبد الله بن محمد الحنفي ، قال : ثنا عبدان ، قال : أخبرنا عبد الله ، قال : أخبرنا منصور رجل من أهل الكوفة ، عن موسى بن أبي كثير ، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) فهي موعظة الإمام فإذا قضيت الصلاة بعد .

وقوله : ( ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) يقول : سعيكم إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إلى ذكر الله وترك البيع خير لكم من البيع والشراء في ذلك الوقت ، إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم ومضارها .

واختلفت القراء في قراءة قوله : ( من يوم الجمعة ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار : ( الجمعة ) بضم الميم والجيم ، خلا الأعمش فإنه قرأها بإسكان الميم .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار لإجماع الحجة من القراء عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية