الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في التأمين

                                                                                                          248 حدثنا بندار محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي قالا حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين ومد بها صوته قال وفي الباب عن علي وأبي هريرة قال أبو عيسى حديث وائل بن حجر حديث حسن وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحق وروى شعبة هذا الحديث عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين وخفض بها صوته قال أبو عيسى وسمعت محمدا يقول حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث فقال عن حجر أبي العنبس وإنما هو حجر بن عنبس ويكنى أبا السكن وزاد فيه عن علقمة بن وائل وليس فيه عن علقمة وإنما هو عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر وقال وخفض بها صوته وإنما هو ومد بها صوته قال أبو عيسى وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فقال حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة قال وروى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان قال أبو عيسى حدثنا أبو بكر محمد بن أبان حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث سفيان عن سلمة بن كهيل

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في التأمين )

                                                                                                          التأمين مصدر أمن : أي قال آمين ، وهي بالمد والتخفيف في جميع الروايات ، وعن جميع القراء وحكى الواحدي عن حمزة والكسائي الإمالة ، وفيها ثلاث لغات أخرى شاذة : القصر أي أمين ، والتشديد مع المد والقصر أي آمين وأمين ، وخطأ الأخريين جماعة ، وأما الأولى منها فحكاها ثعلب وأنشد لها شاهدا . وأنكرها ابن درستويه وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر ، ومعنى آمين : اللهم استجب ، عند الجمهور ، وقيل غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى ، وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى رواه عبد الرزاق ، عن أبي هريرة بإسناد ضعيف ، وعند أبي داود من حديث أبي زهير النميري الصحابي أن آمين مثل الطابع على الصحيفة ، ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم : " إن ختم بآمين فقد أوجب " .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا بندار ) بضم الموحدة وسكون النون لقب محمد بن بشار بن عثمان العبدي ، أحد أوعية السنة ، قال الذهبي انعقد الإجماع على الاحتجاج ببندار ( نا يحيى بن سعيد ) القطان أحد أئمة الجرح والتعديل ( قالا نا سفيان ) هو الثوري ( عن سلمة بن كهيل ) الحضرمي الكوفي ، قال الحافظ ثقة ، وقال الخزرجي : وثقه أحمد والعجلي . واعلم أن سلمة هذا كله بفتح اللام ، إلا عمرو بن سلمة إمام قومه ، وبني سلمة القبيلة من الأنصار فبكسرها ، وفي عبد الخالق بن سلمة الوجهان ( عن حجر ) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم ( بن عنبس ) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة ، الحضرمي صدوق من كبار التابعين ، قاله الحافظ ، وقال الخزرجي : وثقه ابن معين ( عن وائل بن حجر ) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم ، بن سعد بن مسروق الحضرمي ، صحابي جليل ، وكان من ملوك اليمن ثم سكن الكوفة ومات في ولاية معاوية رضي الله عنه .

                                                                                                          [ ص: 59 ] قوله : ( وقال آمين ) فيه دليل على أن الإمام يقول آمين ، وهذا موضع اختلف فيه العلماء ، فروى ابن القاسم عن مالك أن الإمام لا يقول آمين ، وإنما يقول ذلك من خلفه ، وهو قول المصريين من أصحاب مالك ، وقال جمهور أهل العلم : يقولها الإمام كما يقول المنفرد وهو قول مالك في رواية المدنيين ، وحجتهم أن ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة ، ووائل بن حجر ، وحديث بلال : لا تسبقني بآمين . كذا في الاستذكار ، قلت : عن أبي حنيفة أيضا في ذلك قولان : أحدهما أنه يؤمن من خلف الإمام ولا يؤمن الإمام ، ذكره محمد في الموطأ ، والثاني كقول الجمهور ، ذكره محمد في الآثار ، ولا شك في أن قول الجمهور هو الحق . ( ومد بها صوته ) أي رفع بها صوته وجهر . ورواه أبو داود بإسناد صحيح بلفظ : فجهر بآمين ، ورواه أيضا بإسناد صحيح بلفظ : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ولا الضالين ، قال آمين ورفع بها صوته ، فظهر أن المراد من قوله ومد بها صوته وجهر بها ورفع صوته بها ، فإن الروايات يفسر بعضها بعضا . قال الحافظ في التلخيص : احتج الرافعي بحديث وائل الذي بلفظ : مد بها صوته على استحباب الجهر بآمين ، وقال في أماليه : يجوز حمله على أنه تكلم على لغة المد ، دون القصر من جهة اللفظ ، ولكن رواية من قال رفع بها صوته تبعد هذا الاحتمال ، ولهذا قال الترمذي عقبه : وبه يقول غير واحد يرون أنه يرفع صوته ، انتهى . وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات قوله " مد بها صوته أي بكلمة آمين ، يحتمل الجهر بها ، ويحتمل مد الألف على اللغة الفصيحة ، والظاهر هو الأول بقرينة الروايات الأخر ، ففي بعضها يرفع بها صوته ، وهذا صريح في معنى الجهر ، وفي رواية ابن ماجه حتى يسمعها الصف الأول فيرتج بها المسجد ، وفي بعضها يسمعها من كان في الصف الأول ، رواه أبو داود وابن ماجه ، انتهى كلام الشيخ .

                                                                                                          قلت : قول من قال إن قوله مد بها صوته ، يجوز حمله على أنه تكلم على لغة المد دون القصر غير صحيح ، ولا يجوز حمله على هذا ألبتة لما عرفت ، ولأن هذا اللفظ لا يطلق إلا على رفع الصوت والجهر ، كما لا يخفى على من تتبع مظان استعمال هذا اللفظ ، ونحن نذكر هاهنا بعضها ، روى البخاري في صحيحه عن البراء قال : لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ، وفيه يقول : اللهم لولا أنت ما اهتدينا . ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ، وثبت الأقدام إن لاقينا . إن الأولى قد بغوا علينا . وإن أرادوا فتنة أبينا . قال يمد صوته بآخرها ، انتهى ، وروى الترمذي عن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أسلم وغفار ومزينة خير من تميم وأسد وغطفان وبني عامر بن صعصعة يمد بها صوته ، فقال القوم : قد خابوا وخسروا ، قال : فهم خير منهم . قال الترمذي : هذا حديث حسن . وروى أبو داود وغيره حديث أبي محذورة في الترجيع بلفظ : " ثم ارجع فمد من صوتك " فلفظ يمد صوته بآخرها في الأول ويمد بها صوته في الثاني " وفمد من صوتك " في الثالث لم يطلق إلا [ ص: 60 ] على رفع الصوت ، وكذلك إذا تتبعت هذا اللفظ أعني لفظ المد مع الصوت في مظان استعماله لا تجد إلا في معنى رفع الصوت ، فقول من قال : إن قوله مد بها صوته في حديث الباب يجوز حمله على أنه تكلم على لغة المد ليس مما يلتفت إليه ، والحديث حجة قوية لمن قال بسنية الجهر بالتأمين ، ورفع الصوت به ، وهو القول الراجح المعول عليه .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي وأبي هريرة ) وفي الباب أيضا عن أم الحصين . أما حديث علي فأخرجه الحاكم بلفظ : قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول آمين إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين وأخرج أيضا عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ ولا الضالين رفع صوته بآمين . كذا في أعلام الموقعين . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني والحاكم قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين . قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث ، قال الدارقطني إسناده حسن ، والحاكم صحيح على شرطهما ، والبيهقي حسن صحيح ، انتهى . وذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية وسكت عنه ، وقال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين رواه الحاكم بإسناد صحيح ، انتهى . ولأبي هريرة حديث آخر في الجهر بالتأمين رواه النسائي عن نعيم المجمر ، قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين ، فقال الناس آمين . الحديث وفي آخره قال : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإسناده صحيح ، وأما حديث أم الحصين فأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، ثنا هارون بن الأعور عن إسماعيل بن مسلم ، عن أبي إسحاق ، عن ابن أم الحصين ، عن أمه ، أنها صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قال : ولا الضالين قال آمين ، فسمعته وهي في صف النساء ذكره الحافظ ابن حجر ، والحافظ الزيلعي في تخريجهما للهداية وسكتا عنه ، وذكر هذا الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد ، وقال بعد ذكره : رواه الطبراني في الكبير ، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( حديث وائل بن حجر حديث حسن ) وأخرجه أبو داود وابن ماجه ، قال الحافظ في التلخيص : سنده صحيح وصححه الدارقطني ، وأعله ابن القطان بحجر بن عنبس وأنه لا يعرف ، وأخطأ في ذلك بل هو ثقة معروف قيل له صحبة ، ووثقه يحيى بن معين وغيره ، انتهى قلت : وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره ، وقد اعترف غير واحد من العلماء الحنفية بأن حديث وائل بن حجر هذا صحيح ، كالشيخ عبد الحق الدهلوي في ترجمة المشكاة وأبي الطيب [ ص: 61 ] المدني في شرح الترمذي ، وابن التركماني في الجوهر النقي وغيرهم .

                                                                                                          وقال الفاضل اللكنوي في السعاية :

                                                                                                          لقد طفنا كما طفتم سنين بهذا البيت طرا أجمعينا فوجدنا بعد التأمل والإمعان
                                                                                                          أن القول بالجهر بآمين

                                                                                                          ، هو الأصح ، لكونه مطابقا لما روي عن سيد بني عدنان ، ورواية الخفض عنه صلى الله عليه وسلم ضعيفة لا توازي روايات الجهر وأي ضرورة داعية إلى حمل روايات الجهر على بعض الأحيان ، أو الجهر للتعليم مع عدم ورود شيء من ذلك في رواية ، والقول بأنه كان في ابتداء الأمر أضعف ، لأن الحاكم قد صححه من رواية وائل بن حجر ، وهو إنما أسلم في أواخر الأمر كما ذكره ابن حجر في فتح الباري ، وقال في التعليق الممجد : الإنصاف أن الجهر قوي من حيث الدليل ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين ولا يخفيها ) وقال البخاري في صحيحه : أمن ابن الزبير ومن معه حتى إن للمسجد للجة ، انتهى . قال العيني وصله عبد الرزاق عن ابن جريج ، عن عطاء ، قلت له : أكان ابن الزبير يؤمن على إثر أم القرآن ؟ قال : نعم ، ويؤمن من وراءه حتى إن للمسجد للجة ، ثم قال إنما آمين دعاء ، ورواه الشافعي عن مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : كنت أسمع الأئمة ابن الزبير ومن بعدهم يقولون آمين ، ويقول من خلفه آمين حتى إن للمسجد للجة . وفي المصنف حدثنا ابن عيينة ، قال : لعله ابن جريج عن عطاء بن الزبير ، قال : كان للمسجد رجة أو قال لجة إذا قال الإمام ولا الضالين ، وروى البيهقي عن خالد بن أيوب عن عطاء ، قال : أدركت مائتين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد ، إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين سمعت لهم رجة بآمين ، انتهى . وكذلك ذكر الحافظ في الفتح رواية عبد الرزاق ورواية البيهقي .

                                                                                                          قلت : وكذلك قد ثبت جهر الصحابة والتابعين بالتأمين خلف أبي هريرة ، كما تقدم ولم يثبت من أحد من الصحابة الإسرار بالتأمين بالسند الصحيح ، ولم يثبت عن أحد منهم الإنكار على من جهر بالتأمين ، فقد ثبت إجماع الصحابة رضي الله عنهم على الجهر بالتأمين على طريق الحنفية ، فإنهم قالوا : إن ابن الزبير أفتى في زنجي وقع في بئر زمزم بنزح مائها ، وذلك بمحضر من الصحابة ، ولم ينكر عليه أحد ، فكان إجماعا فكذلك يقال : إن ابن الزبير أمن بالجهر في المسجد بمحضر من الصحابة ، ولم ينكر عليه أحد ، بل وافقوه وجهروا معه بآمين حتى كان للمسجد للجة ، فكان إجماع الصحابة [ ص: 62 ] على الجهر بالتأمين ( وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ) قال الحافظ ابن القيم : سئل الشافعي عن الإمام هل يرفع صوته بآمين ؟ قال : نعم ويرفع بها من خلفه أصواتهم ، إلى أن قال : ولم يزل أهل العلم عليه ، انتهى ، وهذا القول أعني الجهر بالتأمين للإمام ولمن خلفه هو الراجح القوي يدل عليه أحاديث الباب .

                                                                                                          وقال الحنفية بالإسرار بالتأمين والإخفاء به ، واستدلوا على ذلك بحديث وائل الذي ذكره الترمذي بعد هذا بلفظ : إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين وخفض بهما صوته . وهو حديث لا يصلح للاحتجاج كما ستعرف واستدل بعضهم بحديث سمرة بن جندب أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الأظهر أن السكتة الثانية كانت للتأمين سرا .

                                                                                                          والجواب : أن السكتة الثانية لم تكن للتأمين سرا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر صوته بالتأمين ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم الإسرار بالتأمين ، فكيف يقال إنها كانت للتأمين سرا ، بل السكتة الثانية كانت لأن يتراد إليه نفسه كما صرح به قتادة في بعض رواياته .

                                                                                                          واستدلوا أيضا بأثر عمر وعلي رضي الله عنهما : روى الطحاوي عن أبي وائل قال : كان عمر وعلي لا يجهران بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ولا بالتعوذ ولا بآمين . والجواب : أن هذا الأثر ضعيف جدا ، فإن في سنده سعيد بن المرزبان البقال ، قال الذهبي في الميزان : تركه الفلاس ، وقال ابن معين : لا يكتب حديثه ، وقال البخاري : منكر الحديث ، انتهى وقال الذهبي في ترجمة أبان بن جبلة الكوفي : نقل ابن القطان أن البخاري قال : كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه ، انتهى . واستدلوا أيضا بقول إبراهيم النخعي : خمس يخفيهن الإمام سبحانك اللهم وبحمدك والتعوذ ، وبسم الله الرحمن الرحيم ، وآمين ، واللهم ربنا لك الحمد ، رواه عبد الرزاق . والجواب : أن قول إبراهيم النخعي هذا مخالف للأحاديث المرفوعة الصحيحة ، فلا يلتفت إليه . قال الفاضل اللكنوي في السعاية : أما أثر النخعي ونحوه فلا يوازي الروايات المرفوعة ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وروى شعبة هذا الحديث عن سلمة بن كهيل ، عن حجر أبي العنبس ، عن علقمة بن [ ص: 63 ] وائل ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال : آمين وخفض بها صوته ) فخالف شعبة سفيان الثوري في رواية هذا الحديث في ثلاثة مواضع كما بينه الترمذي بعد بقوله : وأخطأ شعبة في مواضع إلخ ( سمعت محمدا يقول : حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا ) أراد بقوله أصح الصحيح ، والمعنى أن حديث سفيان صحيح ، وحديث شعبة ليس بصحيح ، فإنه أخطأ فيه في مواضع ( وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث ) أي في ثلاثة مواضع منه ( فقال ) أي شعبة ( عن حجر أبي العنبس وإنما هو حجر بن العنبس ) كما في رواية سفيان ( ويكنى ) أي حجر بن العنبس ( أبا السكن ) أي ليس كنيته أبا العنبس بل كنيته أبو السكن وهذا هو الموضع الأول من خطأ شعبة ( وزاد فيه عن علقمة بن وائل ) أي زاد بين حجر ووائل علقمة بن وائل ( وليس فيه عن علقمة ) كما في رواية سفيان ، وهذا هو الموضع الثاني من خطأ شعبة .

                                                                                                          فإن قيل : سفيان وشعبة كلاهما ثقتان حافظان ، فلم نسب الخطأ في هذين الموضعين إلى شعبة ولم ينسب إلى سفيان ؟ قلنا : نسب الخطأ إلى شعبة دون سفيان لأربعة وجوه الأول : أن شعبة كان يخطئ في الرجال كثيرا ، وأما سفيان فلم يكن يخطئ ، قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة شعبة : ثقة ثبت في الحديث ، وكان يخطئ في أسماء الرجال قليلا ، وكذلك نقل الحافظ عن أبي داود ، ثم قال بعد عدة أسطر : وأما ما تقدم من أنه كان يخطئ في الأسماء فقد قال الدارقطني في العلل : كان شعبة يخطئ في أسماء الرجال كثيرا لتشاغله بحفظ المتون ، انتهى كلام الحافظ . وقد ذكر الترمذي خطأ شعبة في مواضع من جامعه فمنها في باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان . قال الترمذي : وروى شعبة هذا الحديث يعني حديث علي عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه ، فقال : مالك بن عرفطة ، قال : والصحيح خالد بن علقمة . ومنها في باب ما جاء في التخشع في الصلاة ، قال الترمذي : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : روى شعبة هذا الحديث يعني حديث الفضل بن [ ص: 64 ] عباس عن عبد ربه بن سعيد فأخطأ في مواضع ، فقال : عن أنس بن أبي أنيس وهو عمران بن أبي أنس ، وقال عن عبد الله بن الحارث وإنما هو عبد الله بن نافع بن العمياء ، عن ربيعة بن الحارث ، وقال شعبة : عن عبد الله بن الحارث بن المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو عن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أحمد : وحديث الليث بن سعد أصح من حديث شعبة ، انتهى . ومنها في باب كراهية الطواف عريانا حدثنا ابن عمر ونصر بن علي ، قالا : نا سفيان عن أبي إسحاق نحوه ، يعني نحو الحديث المذكور ، وقالا : زيد ابن يثيع وهذا أصح ، وشعبة وهم فيه ، فقال زيد بن أثيل ، انتهى .

                                                                                                          والوجه الثاني : أن شعبة كان شاكا يشك كثيرا في الأسانيد والمتون ، وأما شعبة فلم يكن شاكا .

                                                                                                          والوجه الثالث : أن شعبة وسفيان لا شك في أنهما ثقتان حافظان ، لكن سفيان أحفظ من شعبة كما ستقف على هذا .

                                                                                                          والوجه الرابع : أن شعبة قد تفرد بما قال في روايته في هذين الموضعين ، ولم يتابعه على ذلك أحد ، وأما سفيان فلم يتفرد بما قال في روايته فيهما ، بل تابعه على ذلك العلاء بن صالح ، وعلي بن صالح ، ومحمد بن سلمة فبهذه الوجوه قد نسب الخطأ إلى شعبة ولم ينسب إلى سفيان .

                                                                                                          فإن قيل : قد أجاب العيني في شرح البخاري عما نسب إليه الترمذي من الخطأ الأول حيث قال قوله هو حجر بن العنبس وليس بأبي العنبس ، ليس كما قاله ، بل هو أبو العنبس حجر بن العنبس ، وجزم به ابن حبان في الثقات ، فقال كنيته كاسم أبيه ، وقول محمد : يكنى أبا السكن لا ينافي أن تكون كنيته أيضا أبا العنبس لأنه لا مانع أن يكون لشخص كنيتان ، انتهى .

                                                                                                          قلنا : لم يثبت من كتب الرجال والتراجم أن كنية حجر بن العنبس أبو العنبس أيضا ، وأن له كنيتان ، ولم يصرح به أحد من أئمة الفن غير ابن حبان مع أنه يحتمل أن يكون مبنى قوله هو رواية شعبة ، فالظاهر أنه خطأ شعبة كما نص عليه الإمام البخاري ، والحافظ أبو زرعة ، والله أعلم . فإن قيل : قد تابع سفيان شعبة في أبي العنبس . أخرجه أبو داود ، حدثنا محمد بن كثير نا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس الحضرمي الحديث ، وأخرج الدارقطني في سننه ، حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا وكيع والمحاربي قالا : حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس وهو ابن العنبس الحديث فثبت أن شعبة ليس متفردا بأبي العنبس ، بل ذكره محمد بن كثير ووكيع والمحاربي عن سفيان الثوري أيضا .

                                                                                                          [ ص: 65 ] قلنا : كل من قال في روايته عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس فروايته غير محفوظة ، أما رواية محمد بن كثير فإنه قد خالف في ذكر حجر أبي العنبس يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي فإنهما قالا في روايتهما : حجر بن العنبس كما في رواية الترمذي المذكورة ، وهما أحفظ وأتقن من محمد بن كثير ، وأما رواية وكيع والمحاربي فقد تفرد بها عبد الله بن سعيد الكندي . وقد خالف في ذكر حجر أبي العنبس أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان ويعقوب الدورقي ، فإن هؤلاء الثقات الحفاظ قالوا في رواياتهم : حجر بن العنبس قال أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا وكيع ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس ، عن وائل بن حجر ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ولا الضالين فقال : آمين يمد بها صوته . وقال الدارقطني في سننه حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر ، ثنا أحمد بن سنان ح وحدثنا أبو محمد بن صاعد ثنا يعقوب الدورقي قالا : نا عبد الرحمن عن سفيان عن سلمة عن حجر بن عنبس قال سمعت وائل بن حجر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين ، ومد بها صوته . قلت : الظاهر أن عبد الرحمن هذا هو المحاربي ، ففي كون لفظ أبي العنبس في رواية سفيان محفوظا كلام .

                                                                                                          فإن قيل : قد أجاب العيني أيضا عما نسب الترمذي إلى شعبة من خطئه الثاني حيث قال : وقوله وزاد فيه علقمة لا يضر ; لأن زيادة الثقة مقبولة لا سيما من مثل شعبة ، انتهى .

                                                                                                          قلنا : قد عرفت آنفا أن شعبة كان يخطئ كثيرا في الرجال ، وأنه قد تفرد بهذه الزيادة ولم يتابعه عليها أحد لا ثقة ولا ضعيف ، وقد خالف ذكر هذه الزيادة سفيان والعلاء بن صالح وعلي بن الصالح ومحمد بن مسلمة ، فإن هؤلاء لم يذكروا في رواياتهم هذه الزيادة وستعرف أن سفيان أحفظ من شعبة وأنه قد تقرر أن شعبة إذا خالف سفيان فالقول قول سفيان ومع هذا كله قد نص الإمام البخاري رحمه الله تعالى على أن شعبة أخطأ في هذه الزيادة فالظاهر أن شعبة أخطأ في هذه الزيادة والله تعالى أعلم ( وقال خفض بها صوته وإنما هو مد بها صوته ) هذا هو الموضع الثالث من المواضع التي أخطأ فيها شعبة فقول شعبة فيه : وخفض بها صوته خطأ والصواب مد بها صوته كما رواه سفيان .

                                                                                                          فإن قيل إن سفيان وشعبة كليهما ثقتان ثبتان أمير المؤمنين في الحديث ، وليس أحد منهما أحق بالخطأ من الآخر ، فلقائل أن يقول إن سفيان هو الذي أخطأ في قوله : " ومد بها صوته " فأي دليل على أن المخطئ هو شعبة .

                                                                                                          [ ص: 66 ] قلنا : إن هنا أدلة عديدة على أن المخطئ هو شعبة فمنها أن سفيان وشعبة وإن كانا ثقتين حافظين لكنهما ليسا بمتساويين في الحفظ ، بل سفيان أحفظ من شعبة ، وقد نص على هذه شعبة نفسه . قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ : كان شعبة يقول سفيان أحفظ مني ، انتهى . وقال الترمذي في باب ما جاء ص 424 في تعليم القرآن قال علي بن عبد الله : قال يحيى بن سعيد : ما أحد يعدل عندي شعبة ، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان سمعت أبا عمار يذكر عن وكيع ، قال شعبة : سفيان أحفظ مني وما حدثني سفيان عن أحد بشيء فسألته إلا وجدته كما حدثني ، انتهى وبطل بهذا قول من قال إن شعبة جعل سفيان أحفظ من نفسه هضما لنفسه ، وقد صرح أئمة الحديث بأن سفيان أحفظ من شعبة ، قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ : قال صالح جزرة : سفيان أحفظ من شعبة يبلغ حديثه ثلاثين ألفا وحديث شعبة نحو عشرة آلاف ، انتهى . وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة سفيان : قال أبو حاتم وأبو زرعة وابن معين هو أحفظ من شعبة ، انتهى .

                                                                                                          ومنها أنه قد تقرر أن شعبة إذا خالف سفيان فالقول قول سفيان . قال الزيلعي في نصب الراية نقلا عن البيهقي : قال يحيى القطان ويحيى بن معين : إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان ، انتهى . ولذلك رجح الترمذي حديث سفيان على حديث شعبة لما اختلفا في سند حديث : خيركم من تعلم القرآن وعلمه . حيث زاد شعبة فيه رجلا ولم يزده سفيان ، قال الترمذي في جامعه : كان حديث سفيان أشبه . قال علي بن عبد الله ، قال يحيى بن سعيد : ما عندي أحد يعدل شعبة ، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان إلى آخر ما نقلت عن الترمذي آنفا ، ولذلك رجح أبو داود حديث سفيان على حديث شعبة لما اختلفا في حديث اشتراء سراويل ، حيث قال سفيان فيه وثم رجل يزن بالأجر ولم يقل شعبة يزن بالأجر ، قال أبو داود في سننه : رواه قيس كما قال سفيان والقول قول سفيان ، حدثنا أحمد بن حنبل ، ثنا وكيع عن شعبة قال : كان سفيان أحفظ مني ، انتهى كلام أبي داود .

                                                                                                          تنبيه : كلام الترمذي وكلام أبي داود هذان يدلان على أن المراد بالمخالفة في قول يحيى القطان ويحيى بن معين إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان ، المخالفة في الرواية ، فبطل قول من قال إن المراد بالمخالفة في الفقه والدراية .

                                                                                                          ومنها أن شعبة لم يتابعه أحد في قوله : وخفض بها صوته لا ثقة ولا ضعيف . وأما سفيان فقد تابعه في قوله مد بها صوته ثلاثة : أحدهم العلاء بن صالح ، فإنه قد روى هذا الحديث عن [ ص: 67 ] سلمة بن كهيل نحو حديث سفيان كما ذكره الترمذي في هذا الباب والعلاء بن صالح ثقة ، والثاني علي بن صالح قال أبو داود في سننه : حدثنا مخلد بن خالد الشعيري ، حدثنا ابن نمير ، نا علي بن صالح عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجهر بآمين الحديث ، وعلي بن صالح أيضا ثقة . والثالث محمد بن سلمة قال الدارقطني بعد رواية حديث شعبة ما لفظه : هكذا قال شعبة وأخفى بها صوته ، ويقال : إنه وهم لأن سفيانالثوري ومحمد بن سلمة وغيرهما رووه عن سلمة بن كهيل فقالوا : ورفع بها صوته ، انتهى . ومحمد بن سلمة ضعيف فتابع سفيان ثقتان وضعيف ولم يتابع شعبة أحد لا ثقة ولا ضعيف .

                                                                                                          ومنها أن سفيان لم يرو عنه خلاف المد بالصوت ، والرفع والجهر لا بسند صحيح ، ولا بسند ضعيف ، وأما شعبة فروي عنه خلاف الخفض والإخفاء ، فروي عنه موافقا لحديث سفيان في السند والمتن ، قال الزيلعي في نصب الراية : وطعن صاحب التنقيح في حديث شعبة هذا بأنه قد روي عنه خلافه كما أخرجه البيهقي في سننه ، عن ابن الوليد الطيالسي ، ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت حجرا أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي ، أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال ولا الضالين قال آمين رافعا بها صوته ، قال فهذه الرواية توافق رواية سفيان ، وقال البيهقي في المعرفة : إسناد هذه الرواية صحيح ، انتهى . قلت : وقال البيهقي : فيحتمل أن يكون تنبه لذلك فعاد إلى الصواب في متنه ، وترك ذكر علقمة في إسناده ، انتهى كلام البيهقي فهذه الأدلة بمجموعها تدل على أن المخطئ هو شعبة ، ولذلك جزم الإمام البخاري والحافظ أبو زرعة الرازي بخطأ شعبة ، وقال البيهقي : قد أجمع البخاري ، وغيره من الحفاظ على أن شعبة أخطأ في هذا الحديث ، فقد روي من أوجه فجهر بها ، انتهى . وقال الحافظ في التلخيص : وقد رجحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة ، ولذلك جزم النقاد بأن حديث سفيان أصح وأرجح من حديث شعبة ، انتهى .

                                                                                                          قلت : فإذا ثبت أن حديث سفيان بلفظ : مد بها صوته هو الصواب وأن حديث شعبة بلفظ : وخفض بها صوته خطأ . ظهر لك أن القول برفع الصوت بالتأمين والجهر به هو الراجح القوي المعول عليه .

                                                                                                          وأجاب الحنفية عن أحاديث الجهر بالتأمين واعتذروا عن العمل بها ، بما لا ينبغي الالتفات إليها .

                                                                                                          فقال بعضهم : قال عطاء : آمين دعاء ، وقد قال الله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 68 ] قلت : تقرير استدلال هذا البعض على الشكل الأول هكذا آمين دعاء ، وكل دعاء لا بد أن يخفى به لقوله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية فآمين لا بد أن يخفى بها ولا شك في أنه لو ثبت صحة الصغرى وكلية الكبرى صحت هذه النتيجة ، لكن في صحة الصغرى نظرا ، فإنا لا نسلم أن آمين دعاء بل نقول إنها كالطابع والخاتم للدعاء ، كما عند أبي داود من حديث أبي زهير النميري الصحابي ، أن آمين مثل الطابع على الصحيفة ، ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم : إن ختم بآمين فقد أوجب . ولو سلمنا أن آمين دعاء فنقول إنها ليست بدعاء مستقل بالأصالة بل هي من توابع الدعاء ، ولذلك لا يدعى بآمين وحدها ، بل يدعى بدعاء أولا ثم تقال هي عقيبه فالظاهر أن يكون الجهر بها والإخفاء بها تابعا لأصل الدعاء إن جهرا فجهرا ، وإن سرا فسرا ، ولو سلمنا أن آمين دعاء بالأصالة فلا نسلم كلية الكبرى ، ألا ترى أن اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم إلخ دعاء ويقرأ في الصلاة الجهرية بالجهر ، وكذلك كثير من الأدعية قد ثبت الجهر بها فهذا الاستدلال مما لا يصغى إليه .

                                                                                                          وقال بعضهم : إن الجهر كان أحيانا للتعليم ، كما جهر عمر بن الخطاب بالثناء على الافتتاح كذلك كان الجهر بالتأمين تعليما .

                                                                                                          قلت : القول بأن جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين كان للتعليم ، سخيف جدا فإنه ادعاء محض لا دليل عليه ، ويدل على سخافته أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجهرون خلف الإمام حتى كان للمسجد رجة ، فلو كان جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين للتعليم لم يجهروا بالتأمين خلف إمامهم ، وأيضا لو كان جهره به للتعليم كان أحيانا لا على الدوام وقد روى أبو داود وغيره بلفظ : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم على الجهر .

                                                                                                          فإن قلت : أخرج الدولابي في كتاب الأسماء والكنى : حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، قال حدثنا الحسن بن عطية ، قال أنبأنا يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن أبي سكن حجر بن عنبس الثقفي ، قال : سمعت وائل بن حجر الحضرمي ، يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ، وفيه " وقرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين ، يمد بها صوته ما أراد إلا يعلمنا " فقوله ما أراد إلا يعلمنا في هذه الرواية يدل على أن جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين كان للتعليم . قلت : قد تفرد بزيادة قوله ما أراد إلا يعلمنا يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهو متروك ، قال الحافظ في التقريب في ترجمته متروك وكان شيعيا ، انتهى . وقد روى حديث وائل بن حجر هذا من طرق كثيرة ، وليس في واحد منها هذه الزيادة فهذه الزيادة منكرة مردودة ، فالاستدلال بهذه الزيادة المنكرة على أن الجهر بالتأمين كان أحيانا للتعليم باطل جدا .

                                                                                                          [ ص: 69 ] قال : ( وسألت أبا زرعة ) الرازي اسمه عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ المخزومي أحد أئمة الحفاظ تقدم ترجمته في المقدمة ، قال ابن وارة سمعت إسحاق بن راهويه يقول : كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل كذا في تهذيب التهذيب ( قال ) أي أبو زرعة ( روى العلاء بن صالحالأسدي ) قال الحافظ في تهذيب التهذيب : العلاء بن صالحالتيمي ويقال الأسدي الكوفي ، وسماه أبو داود في روايته علي بن صالح وهو وهم ، روى عن المنهال بن عمرو ، وعدي بن ثابت ، وسلمة بن كهيل وروى عنه أبو أحمد الزبيري ، وعبد الله بن نمير . قال ابن معين وأبو داود ثقة ، وقال ابن معين أيضا : وأبو حاتم لا بأس به ، قال الحافظ : له عند الترمذي حديث وائل في الصلاة ، انتهى . قلت : روى أبو داود في سننه حديث وائل من طريق ابن نمير عن علي بن صالح ، عن سلمة بن كهيل ، وذكر الحافظ في هذا الكتاب في ترجمة علي بن صالح : روى عن أبيه ، وأبي إسحاق السبيعي وسلمة بن كهيل وعنه أخوه وابن عيينة ، ووكيع وأبو أحمد الزبيري ، وابن نمير ، انتهى فإذا ثبت أن العلاء بن صالحالأسدي وعلي بن صالح رجلان وكلاهما يرويان عن سلمة بن كهيل ، ويروي عن كليهما ابن نمير فالظاهر أن العلاء بن صالح وعلي بن صالح كليهما يرويان حديث وائل عن سلمة بن كهيل ، ويروي عن كليهما ابن نمير فلا أدري لم جزم الحافظ بأنه سماه أبو داود في روايته علي بن صالح وهو وهم فتفكر .

                                                                                                          قوله : ( ثنا أبو بكر محمد بن أبان ) بن وزير البلخي المستملي يلقب حمدويه وكان مستملي وكيع ثقة حافظ قاله الحافظ ، روى عن ابن عيينة وغندر وطبقتهما وعنه البخاري وأصحاب السنن الأربع مات سنة 144 أربع وأربعين ومائة ( نا عبد الله بن نمير ) بضم النون مصغرا الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة صاحب حديث من أهل السنة من رجال الكتب الستة .




                                                                                                          الخدمات العلمية