الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار

                                                                                                          377 حدثنا هناد حدثنا قبيصة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن ابن سيرين عن صفية ابنة الحارث عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وقوله الحائض يعني المرأة البالغ يعني إذا حاضت قال أبو عيسى حديث عائشة حديث حسن والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها وهو قول الشافعي قال لا تجوز صلاة المرأة وشيء من جسدها مكشوف قال الشافعي وقد قيل إن كان ظهر قدميها مكشوفا فصلاتها جائزة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( لا تقبل صلاة الحائض ) المراد من الحائض من بلغ سن المحيض لا من هي ملابسة المحيض فإنها ممنوعة من الصلاة ( إلا بخمار ) بكسر الخاء هو ما يغطى به رأس المرأة قال في القاموس : الخمار بالكسر النصيف كالخمر كطمر ، وكل ما ستر شيئا فهو خماره جمعه أخمرة وخمر وخمر ، وقال نصيف كأسير الخمار والعمامة وكل ما غطى الرأس ، انتهى والحديث استدل به على وجوب ستر المرأة رأسها حال الصلاة . قال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام : ونفي القبول المراد به هنا نفي الصحة والإجزاء ، وقد يطلق القبول ويراد به كون العبادة بحيث يترتب عليها الثواب ، فإذا نفي كان نفيا لما يترتب عليها من الثواب ، لا نفيا للصحة كما ورد أن الله لا يقبل [ ص: 315 ] صلاة الآبق ولا من في جوفه خمر كذا قيل ، قال : وقد بينا في رسالة الإسبال وحواشي شرح العمدة أن نفي القبول يلازم نفي الصحة .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن عمرو ) لم أقف عليه وفي الباب أيضا عن أبي قتادة أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط بلفظ : لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها . ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر . ذكره الزيلعي في نصب الراية بإسناده .

                                                                                                          قوله : ( حديث عائشة حديث حسن ) وأخرجه أبو داود وابن ماجه . قوله : ( إذا أدركت ) أي بلغت وصارت مكلفة .

                                                                                                          قوله ( قال الشافعي : وقد قيل إن كان ظهر قدميها مكشوفا فصلاتها جائزة ) لكن حديث أم سلمة يدل على أنه لا بد للمرأة من تغطية ظهور قدميها ولفظه : أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار ؟ قال : إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها . أخرجه أبو داود وصححه الأئمة . وقفه كذا في بلوغ المرام . قال في سبل السلام : وله حكم الرفع وإن كان موقوفا وإذ الأقرب أنه لا مسرح للاجتهاد في ذلك ، وقد أخرجه مالك وأبو داود موقوفا ولفظه عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه : أنها سألت أم سلمة ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب قالت : تصلي في الخمار والدرع السابغ إذا غيب ظهور قدميها ، انتهى ما في السبل .

                                                                                                          واعلم أن حديث الباب قد استدل به على وجوب ستر المرأة رأسها حال الصلاة . واستدل به من سوى بين الحرة والأمة في العورة لعموم ذكر الحائض ولم يفرق بين الحرة والأمة ، وهو قول أهل الظاهر ، وفرق الشافعي وأبو حنيفة والجمهور بين عورة الحرة والأمة فجعلوا عورة الأمة ما بين السرة والركبة كالرجل ، والحجة لهم ما رواه أبو داود والدارقطني وغيرهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في حديث : وإذا زوج أحدكم خادمه أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة وما رواه أبو داود أيضا بلفظ : إذا زوج أحدكم عبده أمته فلا ينظر إلى عورتها . قالوا : [ ص: 316 ] والمراد بالعورة في هذا الحديث ما صرح ببيانه في الحديث . وقال مالك : الأمة عورتها كالحرة حاشا شعرها فليس بعورة ، وكأنه رأى العمل في الحجاز على كشف الإماء لرءوسهن ، هكذا حكاه عنه ابن عبد البر في الاستذكار : قال العراقي في شرح الترمذي : والمشهور عنه أن عورة الأمة كالرجل . وقد اختلف في مقدار عورة الحرة فقيل جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين ، وإلى ذلك ذهب الشافعي في أحد أقواله وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه ومالك ، وقيل والقدمين وموضع الخلخال ، وإلى ذلك ذهب القاسم في قول وأبو حنيفة في رواية عنه والثوري وأبو العباس ، وقيل : بل جميعها إلا الوجه ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وأبو داود ، وقيل : جميعها بدون استثناء ، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي ، وروي عن أحمد . وسبب اختلاف هذه الأقوال ما وقع من المفسرين من الاختلاف في تفسير قوله تعالى : إلا ما ظهر منها . وقد استدل بحديث الباب على أن ستر العورة شرط في صحة الصلاة ؛ لأن قوله : لا يقبل صالح للاستدلال به على الشرطية كما قيل ، وقد اختلف في ذلك فقال الحافظ في الفتح : ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية