الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
227 حديث سادس لسمي

مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثم راح في الساعة الأولى ، فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة [ ص: 22 ] الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام طويت الصحف وحضرت الملائكة يستمعون الذكر .

التالي السابق


قال أبو عمر : الذكر هاهنا الخطبة وما فيها من ذكر الله وتلاوة القرآن ، واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث ، فقالت طائفة : أراد ساعات النهار من أوله ، واحتجوا بظاهر هذا الحديث ، وقالوا لا بأس بالمسير إلى الجمعة مع طلوع الشمس ، وهو أفضل عندهم على هذا الحديث ، وكان مالك يكره البكور إلى الجمعة غدوة وضحى ، ويستحب التهجير على قدر إلا من كان منزله بعيدا عن المسجد فليخرج قدر ما يأتي المسجد فيدرك الصلاة والخطبة .

وقال الشافعي وأبو حنيفة ودواد : يستحب البكور إلى الجمعة . قال الشافعي : البكور بعد الفجر إلى الزوال .

وذكر الأثرم قال : قيل لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - : كان مالك بن أنس يقول : لا ينبغي التهجير يوم الجمعة باكرا ؟ فقال : هذا خلاف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنكره ، وقال : سبحان الله ! إلى أي شيء ذهب في هذا والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : كالمهدي جزورا وكالمهدي كذا .

وكان ابن حبيب يميل إلى هذا القول ، وينكر قول مالك ، وقال : هو تحريف في تأويل الحديث ومحال من وجوه ، قال : وذلك أنه لا تكون ساعات في ساعة واحدة . قال : والشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار ، وهو وقت الأذان وخروج الإمام إلى الخطبة ، فدل ذلك على أن الساعات المذكورة [ ص: 23 ] في هذا الحديث هي ساعات النهار المعروفات ، فبدأ بأول ساعات اليوم فقال : من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ، ثم قال في الخامسة بيضة ، ثم انقطع التهجير وحان وقت الأذان . قال : فشرح الحديث بين في لفظه ، ولكنه حرف عن وجهه وشرح بالخلف من القول وبما لا يتكون ، وزهد شارحه الناس فيما رغبهم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التهجير في أول النهار ، وزعم أن ذلك كله إنما يجتمع في ساعة واحدة عند زوال الشمس ، قال : وقد جاءت الآثار بالتهجير إلى الجمعة في أول النهار ، وقد سقنا من ذلك في موضعه من كتاب " واضح السنن " ما فيه بيان وكفاية - هذا كله قول ابن حبيب .

قال أبو عمر : هذا منه تحامل على مالك - رضي الله عنه - ، فهو الذي قال القول الذي أنكره ابن حبيب وجعله خلفا من القول وتحريفا من التأويل ، والذي قاله مالك هو الذي تشهد له الآثار الصحاح الثابتة من رواية الفقهاء الأئمة مع ما صحبه عنده من عمل العلماء ببلده ; لأن مثل هذا يصح فيه الاحتجاج بالعمل ; لأن مالكا كان مجالسا لعلماء المدينة ومشاهدا لوقت حركتهم وخروجهم إلى الجمعة ، وكان أشد الفقهاء اتباعا لسلفه ، ولو رآهم يبكرون إلى الجمعة ويخرجون إليها مع طلوع الشمس ما أنكر ذلك مع حرصه على اتباعهم ، قال أحمد بن حنبل : مالك عندي أتبع من سفيان . يريد أشد اتباعا لسلفه ، والله أعلم .

قال يحيى بن عمر عن حرملة أنه سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات أهو الغدو من أول الساعات النهار ، أو إنما أراد بهذه الساعات ساعة الرواح ؟ فقال ابن وهب : سألت مالكا عن هذا فقال : أما الذي يقع في قلبي فإنه إنما أراد [ ص: 24 ] ساعة واحدة تكون فيها هذه الساعات ، من راح في أول تلك الساعة ، أو الثانية ، أو الثالثة ، أو الرابعة ، أو الخامسة ، ولو لم تكن كذلك ما صليت الجمعة حتى يكون النهار تسع ساعات في وقت العصر ، أو قريب من ذلك .

قال أبو عمر : فهذا قول مالك الذي أنكره ابن حبيب ، وأما الآثار التي تشهد لصحة ما ذهب إليه مالك في ذلك فأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن يحيى بن عمر أبو جعفر قال : حدثنا علي بن حرب قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس الأول فالأول ، المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ، ثم الذي يليه كالمهدي كبشا ، حتى ذكر الدجاجة والبيضة ، فإذا جلس الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة ، ألا ترى إلى ما في هذا الحديث أنه قال : يكتبون الناس الأول فالأول ، المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، ثم الذي يليه . . . الحديث ، فجعل الأول مهجرا ، وهذه اللفظة إنما هي مأخوذة من الهاجرة والهجر ، وذلك وقت النهوض إلى الجمعة ، وليس ذلك عند طلوع الشمس ; لأن ذلك الوقت ليس بهاجرة ولا هجير ، والله أعلم .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا حامد بن يحيى قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري وحفظته منه ، عن سعيد بن المسيب أنه أخبره عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من المسجد ملائكة يكتبون [ ص: 25 ] الناس على منازلهم ، الأول فالأول ، فإذا خرج الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة ، فالمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنة ، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ، ثم الذي يليه كالمهدي كبشا ، حتى ذكر الدجاجة والبيضة ، قيل لسفيان : يقولون هذا عن الأعرج عن أبي هريرة ؟ قال : ما سمعت الزهري ذكر الأعرج قط ، ما سمعته يقول إلا عن سعيد أنه أخبره عن أبي هريرة .

قال أبو عمر : ففي هذا الحديث : المهجر - كما ترى - ثم الذي يليه ، ثم الذي يليه ، ثم الذي يليه ، لم يذكر الساعات ، ورواه ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة بنحوه : حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا عبد الله بن روح قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المتعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، ثم كالمهدي بقرة ، ثم كالمهدي شاة ، ثم كالمهدي طائرا هكذا قال ابن أبي ذئب : المتعجل ، ولم يقل المهجر ، ولا ذكر الساعات المذكورة في حديث سمي .

وروى هذا الحديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب وأبي عبد الله الأغر ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : المهجر إلى الصلاة كالذي يهدي بدنة ، ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كالذي يهدي كبشا ، ثم كالذي يهدي دجاجة ، قال : وحسبت أنه قال : كالذي يهدي بيضة . حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني أخي عن سليمان بن بلال .

[ ص: 26 ] وروى إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب ، عن الأغر أبي عبد الله ، عن أبي هريرة نحو هذا الحديث مختصرا .

وقد روى ابن عجلان حديث سمي فلم يذكر فيه الساعات التي ذكر مالك ، وجاء بلفظ هو نحو حديث ابن شهاب .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني محمد بن العجلان عن سمي مولى أبي بكر ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : تقعد ملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون الناس على منازلهم ، فالناس فيها كرجل قدم بدنة ، وكرجل قدم بقرة ، وكرجل قدم شاة ، وكرجل قدم دجاجة ، وكرجل قدم عصفورا ، وكرجل قدم بيضة ، قال : وحدثني العجلان مثلا بمثل ، إلا أنه لم يضعف .

ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة بمثل حديث ابن شهاب ، إلا أنه قال : المتعجل ، ولم يقل المهجر . حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو سلمة قال : حدثني أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : المتعجل إلى الجمعة كالمهدي جزورا ، والذي يليه كالمهدي بقرة ، والذي يليه كالمهدي شاة ، والذي يليه كالمهدي الطير ، فإذا جلس الإمام على المنبر ختمت الصحف فهكذا أحاديث الأئمة الفقهاء مثل ( حديث ) سعيد بن المسيب [ ص: 27 ] وأبي سلمة إنما فيها المهجر والمتعجل والذي يليه والذي يليه والذي يليه ، ليس فيها ساعات ، وهذه الآثار كلها تدل على ما ذهب إليه مالك ، والله أعلم .

ورواه العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فلم يذكر فيه الساعات أيضا ، حدثناه يونس بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تطلع الشمس على يوم أفضل من يوم الجمعة ، وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين : الجن ، والإنس ، على باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول ، كرجل قدم بدنة ، وكرجل قدم بقرة ، وكرجل قدم شاة ، وكرجل قدم طيرا ، وكرجل قدم بيضة ، فإذا قعد الإمام طويت الصحف .

قال أبو عمر : لم أجد ذكر الساعات إلا في حديث مالك عن سمي ، وفي حديث علي بن زيد ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون الناس على منازلهم ، جاء فلان من ساعة كذا ، جاء فلان من ساعة كذا ، جاء فلان من ساعة كذا ، جاء فلان والإمام يخطب ، جاء فلان وقد أدرك الصلاة ، جاء فلان ولم يدرك الجمعة ، إذا لم يدرك الخطبة حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا علي بن زيد .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا إبراهيم بن موسى قال : أخبرنا عيسى - يعني ابن يونس - قال : أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثني عطاء الخراساني عن مولى امرأته [ ص: 28 ] أم عثمان - يعني ابن عطاء - قال : سمعت عليا على منبر الكوفة يقول : إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون الناس بالترابيث ويبطئونهم عن الجمعة ، وتغدو الملائكة فيجلسون على باب المسجد ، فيكتبون الرجل من ساعة ، والرجل من ساعتين ، حتى يخرج الإمام ، فإذا جلس الرجل مجلسا يستمكن فيه من الاستماع والنظر والصمت ولم يلغ ، كان له كفلان من الأجر ، وإن جلس مجلسا يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت ، كان له كفل من وزر ، ومن قال لصاحبه يوم الجمعة : صه . فقد لغا ، ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء ثم يقول في آخر ذلك : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك .

قال أبو داود : رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال : " بالترابيث " ، وقال : مولى امرأته أم عثمان بن عطاء .

قال أبو عمر : ففي هذه الأحاديث وجدنا ذكر الساعات فالله أعلم ، وكان الشافعي - رحمه الله - يقول : أحب التبكير إلى الجمعة ، وأن لا تؤتى إلا مشيا ، وفي قوله : " التبكير " دليل على أنه الاستعجال في أول النهار ، وقد جاء في كثير من هذه الأحاديث المهجر ، وجاء فيها المتعجل ، وقال بعض أصحاب الشافعي : ليس في قوله المهجر ما يدل على أنه من وقت الهجير والهاجرة ، قال : وإنما [ ص: 29 ] هو من التهجير الذي يراد به البدار والاستعجال وترك الحاجات واطراح الأشغال ، ومن ذلك قيل : المهاجر لمن ترك أهله ووطنه وبادر إلى صحبة محمد صلى الله عليه وسلم .

قال أبو عمر : وقد استدل بحديث سمي المذكور في هذا الباب الشافعي وأصحابه ومن قال بقولهم في تفضيل البدن في الضحايا على الكباش ، وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء ، فقال مالك وأصحابه : أفضل الضحايا الفحول من الضأن ، وإناث الضأن خير من فحول المعز ، وفحول المعز خير من إناثها ، وإناث المعز خير من الإبل والبقر . وحجة من ذهب هذا المذهب قول الله - عز وجل - : ( وفديناه بذبح عظيم ) ، وذلك كبش لا جمل ولا بقرة .

وروى مجاهد وغيره عن ابن عباس أنه سأله رجل فقال : إني نذرت أن أنحر نفسي ، فقال : يجزيك كبش سمين ، ثم قرأ ( وفديناه بذبح عظيم ) .

وقال بعضهم : لو علم الله حيوانا أفضل من الكبش لفدى به إسحاق ، وضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين ، وأكثر ما ضحى به الكباش . وذكر ابن أبي شيبة عن ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد قال : الذبح العظيم الشاة .

حدثنا سعيد بن عثمان قال : حدثنا أحمد بن دحيم قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن زيد قال : حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس الحنيني ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نزل علي جبريل في [ ص: 30 ] يوم عيد ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا جبريل ، كيف رأيت عيدنا ؟ فقال : يا محمد ، لقد تباهى به أهل السماء . وقال : يا محمد ، اعلم أن الجذع من الضأن خير من السيد من البقر ، والجذع من الضأن خير من السيد من المعز ، والجذع من الضأن خير من السيد من الإبل ، ولو علم الله ذبحا هو خير منه لفدى به إبراهيم ابنه .

قال أبو عمر : هذا الحديث عندهم ليس بالقوي ، والحنيني عنده مناكير .

وقال الشافعي : الإبل أحب إلي أن يضحى بها من البقر ، والبقر أحب إلي من الغنم ، والضأن أحب إلي من المعز . وقال أبو حنيفة وأصحابه : الجزور في الأضحية أفضل ما ضحي به ، ثم يتلوه البقر في ذلك ، ثم تتلوه الشاة . وحجة من ذهب إلى هذا المذهب قوله - صلى الله عليه وسلم - : المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ، ثم الذي يليه كالمهدي شاة فبان بهذا الحديث أن التقرب إلى الله - عز وجل - بالإبل أفضل من التقرب إليه بالبقر ثم بالغنم على ما في هذا الحديث ، وقد أجمعوا على أن أفضل الهدايا الإبل ، واختلفوا في الضحايا ، فكان ما أجمعوا عليه في الهدي قاضيا على ما اختلفوا فيه في الأضاحي ; لأنه قربان كله ، وقد أجمعوا على أنه ما استيسر من الهدي شاة ، فدل على نقصان ذلك عن مرتبة غيره ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ومعلوم أن الإبل أكثر ثمنا من الغنم ، فوجب أن تكون أفضل استدلالا بهذا الحديث .

[ ص: 31 ] وأما الذبح العظيم الذي فدي به الذبيح فجائز أن يطلق عليه عظيم لما ذكر ابن عباس أنه كبش رعى في الجنة أربعين خريفا ، وأنه الذي قربه ابن آدم فتقبل منه ورفع إلى الجنة .

قال أبو عمر : لو لم يكن فضل الكبش إلا أنه أول قربان تقرب به إلى الله في الدنيا فتقبله ، وأنه فدي به نبي كريم من الذبح قال الله فيه ( بذبح عظيم ) .

ذكر عبد الرزاق عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : مر النعمان بن أبي قطبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبش أعين أقرن ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما أشبه هذا الكبش بالكبش الذي ذبحه إبراهيم فاشترى معاذ بن عفراء كبشا أقرن أعين وأهداه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فضحى به .




الخدمات العلمية