الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 32 ] باب المسح على الخفين

ويجوز لمن وجب عليه الوضوء لا الغسل ، ويشترط لبسهما على طهارة كاملة ، ويمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها عقيب الحدث بعد اللبس ، ويمسح على ظاهرهما خطوطا بالأصابع ، وفرضه مقدار ثلاثة ( ف ) أصابع من اليد . والسنة أن يبدأ من أصابع الرجل إلى الساق ، ولا يجوز على خف فيه خرق يبين منه مقدار ثلاثة ( ف ) أصابع من أصابع الرجل الصغار ، وتجمع خروق كل خف على حدته . ويجوز المسح على الجرموق ( ف ) فوق الخف . ويجوز على الجوربين إذا كانا ثخينين ( ف ) أو مجلدين أو منعلين .

وينقضه ما ينقض الوضوء ونزع الخف ومضي المدة ، فإذا مضت المدة نزعهما وغسل رجليه ، وخروج القدم إلى ساق الخف نزع ، ولو مسح مسافر ثم أقام بعد يوم وليلة نزع ، وقبل ذلك يتم يوما وليلة ، ولو مسح مقيم ثم سافر قبل يوم وليلة تمم مدة المسافر ( ف ) .

ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة والبرقع والقفازين ، ويجوز على الجبائر وإن شدها على غير وضوء فإن سقطت عن برء بطل .

التالي السابق


باب المسح على الخفين

الأصل في جوازه السنة ، وهي ما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليها ، والمقيم يوما وليلة " . وقال الحسن البصري : حدثني سبعون رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم رأوه يمسح على الخفين . وقال أبو حنيفة : من أنكر المسح على الخفين يخاف عليه الكفر ، فإنه ورد فيه من الأخبار ما يشبه التواتر . وقال أبو يوسف : يجوز نسخ القرآن بمثله . وقال أبو حنيفة : لولا أن المسح لا يختلف فيه لما مسحنا .

قال : ( ويجوز لمن وجب عليه الوضوء لا الغسل ) لحديث صفوان قال : " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها لا عن جنابة ، لكن عن بول أو غائط أو نوم " .

[ ص: 33 ] ( ويشترط لبسهما على طهارة كاملة ) سواء أكملت قبل اللبس أو بعده ، حتى لو غسل رجليه ثم لبس خفيه ، ثم أكمل الطهارة جاز المسح . وكمال الطهارة شرط عند الحدث ; لأن الخف يمنع سراية الحدث إلى الرجل ، ولا يرفعه فيظهر حكمه عند الحدث فيعتبر الشرط عنده .

قال : ( ويمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها ) للحديث أولها .

( عقيب الحدث بعد اللبس ) لأن ما قبل ذلك فهي طهارة الغسل لا المسح ; لأن الخف جعل مانعا من سراية الحدث ، وذلك عند الحدث لا قبله .

قال : ( ويمسح على ظاهرهما ) حتى لو مسح باطنه أو عقبه أو ساقه لا يجوز لقول علي - رضي الله عنه - : لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح ، لكني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح ظاهرهما .

( خطوطا بالأصابع ) .

قال : ( وفرضه مقدار ثلاثة أصابع من اليد ) ذكره محمد وهو الأصح ، لأنها آلة المسح .

وقال الكرخي : من أصابع الرجل ، ولو أصاب موضع المسح ماء قدر ثلاث أصابع جاز ، وكذلك لو مشى في حشيش مبتل بالمطر ، ولو كان مبتلا بالطل قيل يجوز لأنه ماء ، وقيل لا ، لأنه نفس دابة من البحر يجذبه الهواء إلى الأرض .

( والسنة أن يبدأ من أصابع الرجل إلى الساق ) هكذا نقل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولو بدأ من الساق إلى الأصابع جاز لحصول المقصود إلا أنه خلاف السنة .

قال : ( ولا يجوز على خف فيه خرق يبين منه مقدار ثلاثة أصابع من أصابع الرجل الصغار ) وإن كان أقل من ذلك يجوز ؛ لأن خفاف الناس لا تخلو عن القليل ، فلو اعتبرناه لخرجوا ، ولا [ ص: 34 ] كذلك الكبير ; ولأن الكبير يمنع المشي المعتاد ، فلا يجوز المسح عليه كاللفافة ولا كذلك القليل ، والخرق المانع أن يكون منفرجا يظهر ما تحته حتى لو كان طولا ، أو كان الخف قويا لا يبين ما تحته لا يمنع ; لأن المعتبر الظهور حتى يجب الغسل ، فإذا لم يظهر لا يؤثر ولو كان الخرق تحت القدم ، فإن كان أكثر القدم منع ، وإن كان فوق الكعبين لم يمنع وإن كثر ، واعتبر ثلاثة أصابع لأنها أكثر الرجل والأصابع هي الأصل في القدم ، واعتبرنا الصغار احتياطا .

قال : ( وتجمع خروق كل خف على حدته ) ولا يجمع خروق الخفين ، ولو كانت النجاسة في خفي المصلي أو ثوبيه أو ثوبه وبدنه تجمع ; لأن النجاسة مانعة من الصلاة لعينها ، وخرق الخف ليس مانعا لعينه ، بل لكونه مانعا من تتابع المشي ، وذلك في الواحد لا في الخفين .

قال : ( ويجوز المسح على الجرموق فوق الخف ) لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - مسح على الجرموقين ، ولأنهما كخف ذي طاقين ، ومعناهما إذا لبسهما على الخفين قبل الحدث ، حتى لو لبسهما بعد الحدث أو بعد ما مسح على الخف لا يمسح عليهما ; لأن الحدث حل الخف ، ويجوز المسح على المكعب إذا ستر الكعبين ، وكذا إذا كانت مقدمته مشقوقة ، إلا أنها مشدودة أو مزررة لأنها بمنزلة المخرزة .

قال : ( ويجوز على الجوربين إذا كانا ثخينين أو مجلدين أو منعلين ) لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنه مسح على الجوربين " ، وروي ذلك عن عشرة من الصحابة - رضي الله عنهم - . وكان أبو حنيفة - رضي الله عنه - أولا يقول : لا يجوز إلا أن يكونا منعلين ; لأنه لا يقطع فيهما المسافة ، ثم رجع إلى ما ذكرنا وعليه الفتوى . قال : ( وينقضه ما ينقض الوضوء ) لأنه ينقض الغسل فلأن ينقض المسح أولى .

[ ص: 35 ] قال : ( ونزع الخف ) لأنه المانع من سراية الحدث إلى الرجل ، فإذا نزعه زال المانع ، ولأن الجواز دفعا لحرج النزع ، ولم يبق فيغسلهما كما قبل اللبس ، وكذلك نزع أحد خفيه لأنه يجب غسلهما فيجب غسل الأخرى لئلا يجمع بين الأصل والبدل .

قال : ( ومضي المدة ) لأنه رخصة ثبتت مؤقتة فتزول بمضي الوقت كالمستحاضة .

قال : ( فإذا مضت المدة نزعهما وغسل رجليه ) لما بينا .

( وخروج القدم إلى ساق الخف نزع ) لأنه لا يمكنه المشي فيه كذلك ولو خرج بعضه . قال أبو حنيفة : إن خرج أكثر عقبه إلى الساق بطل مسحه لما تقدم . وقال أبو يوسف : ما لم يخرج أكثر القدم إلى الساق لا يبطل لأن للأكثر حكم الكل . وقال محمد : إن بقي من القدم مقدار ثلاثة أصابع لم يبطل لبقاء محل المسح .

قال : ( ولو مسح مسافر ثم قام بعد يوم وليلة نزع ) لأن الثلاث مدة السفر ، ولا سفر فلا يجوز .

( وقبل ذلك يتم يوما وليلة ) لأنه مقيم فليستكمل مدة الإقامة .

( ولو مسح مقيم ثم سافر قبل يوم وليلة تمم مدة المسافر ) لأنه مسافر ، فإن الحكم يتعلق بآخر الوقت كما في المسألة المتقدمة بخلاف ما إذا سافر بعد يوم وليلة ؛ لأن الحدث سرى إلى الرجل فلا بد من الغسل .

قال : ( ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة والبرقع والقفازين ) واللفافة ; لأن المسح ثبت في الخفين للحرج ، ولا حرج في نزع هذه الأشياء .

قال : ( ويجوز ) المسح .

( على الجبائر ) وليس بفرض عند أبي حنيفة ، وهو الصحيح حتى لو تركه من غير ضرر جاز .

[ ص: 36 ] وقالا : لا يجوز . لهما ما روي " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عليا حين كسرت زنده يوم أحد بالمسح عليها " ، وقياسا على الخف . وله أن المسح بدل عن الغسل ولا يجب غسل ما تحت الجبيرة لو ظهر بخلاف ما تحت الخف وحديث علي لا يوجب الفرضية لأنه خبر آحاد .

قال : ( و ) يجوز .

( إن شدها على غير وضوء ) لأن في اعتباره حرجا ، ولأن غسل ما تحتها سقط بخلاف ما تحت الخفين .

( فإن سقطت عن برء بطل ) لأن المسح للعذر وقد زال ، بخلاف ما إذا سقطت لا عن برء لم يبطل المسح ؛ لأن العذر باق ، وإن كانت الجبيرة زائدة على رأس الجرح ، فإن كان حل الخرقة وغسل ما تحتها يضره مسح على الكل ، وإن كان لا يضره ذلك غسل ما حول الجراحة ومسح عليها لا على الخرقة ، وإن كان يضره المسح دون الحل مسح على الخرقة التي على الجرح وغسل حواليها وما تحت الخرقة الزائدة ; لأن جواز المسح للضرورة فيتقدر بقدرها ، وهذا التفصيل عن الحسن بن زياد ، وهكذا الكلام في عصابة الفصاد والقروح والجراحات . وعلى هذا لو وضع على شقاق رجليه دواء لا يصل الماء تحته يجري الماء على ظاهر الدواء لما ذكرنا .




الخدمات العلمية