الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 132 ] فروع ثمانية :

                                                                                                                الأول : قال في الكتاب : إذا علم في الصلاة أنه إلى غير القبلة ، ابتدأ الصلاة من أولها بإقامة ، ووافقه الشافعي وأبو حنيفة ، قال صاحب الطراز : ويتخرج فيها قول باستدارة والتمادي على أحد القولين فيمن ذكر النجاسة في صلاته فإنه يطرحها ويتمادى ، ومن صلى عريانا ، ثم وجد السترة ، والفرق على المشهور أن التوجه متفق على شرطيته ، بخلاف طهارة الخبث والسترة فيكون آكد ، والفرق بين ظهور الخطأ بعد الصلاة وفي أثنائها أن ظهوره في أثنائها كظهور الخطأ في الدليل قبل بت الحكم فإنه يجب الاستئناف إجماعا ، وبعدها كظهور الخطأ بعد بت الحكم وتنفيذه فلا يؤثر .

                                                                                                                سؤال : قد استدارت الصحابة - رضوان الله عليهم - في أثناء الصلاة لما أخبروا بتحول الجهة من البيت المقدس ولم يبتدئوا ؟

                                                                                                                جوابه : أن الماضي من صلاتهم لم يكن خطأ بل هو صحيح ، والطارئ نسخ فبنوا الصحيح على الصحيح بخلاف هذا المصلي .

                                                                                                                الثاني : قال في الكتاب : إذا تبين الخطأ بعد الفراغ في البيان ناسيا أو مجتهدا يعيد في الوقت ، وفي الجواهر لسحنون يعيد مطلقا وكالأسير يجتهد فيصوم شعبان ، وحكي التفصيل عن الشافعي قال : وذكر عن ابن القابسي يعيد الناسي أبدا بخلاف المجتهد ، قال : فلو صلى بغير القبلة متعمدا أو [ ص: 133 ] جاهلا بوجوب الاستقبال ، فلا خلاف في إعادته أبدا . ولمحمد بن مسلمة والمغيرة إن شرق أو غرب أعاد في الوقت ، وإن استدبر القبلة أعاد مطلقا .

                                                                                                                حجة : المشهور ما تقدم في القاعدة الرابعة ، وقوله تعالى : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) . خص منه الجهة المعلومة الخطأ فتكون حجة فيما عدا ذلك ، وفي الترمذي كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر في ليلة مظلمة ، فلم ندر أين القبلة فصلى كل واحد منا على حاله ، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي - عليه السلام - فنزل قوله : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) وقول عمر رضي الله عنه : إنها نزلت في التنفل على الرواحل لا ينافي ذلك لاحتمال الجمع في الإرادة ، قال صاحب الطراز : أما من لا تلتبس عليه الكعبة ، وإنما سها فتوجه إلى غيرها أعاد أبدا .

                                                                                                                الثالث : قال صاحب الطراز : لو شك المجتهد بعد إحرامه ولم تتعين له جهة تمادى ; لأنه دخل بالاجتهاد ولم يتبين خطؤه .

                                                                                                                الرابع قال : لو صلى باجتهاد وحضر صلاة أخرى في ذلك الموضع ، فإن كان الوقتان تختلف فيهما الأدلة اجتهد ثانيا وإلا فلا ، وفي الجواهر يعيد الاجتهاد مطلقا .

                                                                                                                الخامس قال : إذا أداه الاجتهاد إلى جهة فصلى إلى غيرها ، ثم تبين أنه صلى إلى الكعبة فصلاته باطلة عندنا ، وعند الشافعي وأبي حنيفة لتركه الواجب قال : كما لو صلى ظانا أنه محدث ، ثم تبين أنه متطهر .

                                                                                                                [ ص: 134 ] السادس : قال في الكتاب : إذا علم في صلاته أنه انحرف عن القبلة ولم يشرق ولم يغرب استقام إلى القبلة وبنى ، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ، وقال بعض الشافعية : تبطل ; لأن الصلاة الواحدة لا تكون إلى جهتين ، قال صاحب الطراز : وهذا إذا لم يكن عند المسجد الحرام قال : وأما لو اعتقد المأموم أن الإمام انحرف انحرافا بينا فارقه وأتم لنفسه ، ولو كانوا في بيت مظلم ، ثم تبين أنهم صلوا لجهات شتى فإن كان الإمام إلى غير القبلة أعادوا كلهم تبعا للإمام ، وإن كان غيره أعاد دون الإمام .

                                                                                                                السابع : قال صاحب الطراز : الكافة على أن من يحسن الاستدلال ولا وجد دليلا ، أنه يتحرى جهة تركن إليها نفسه يصلي إليها صلاة واحدة ، وقال محمد بن مسلمة : يصلي أربع صلوات إلى أربع جهات وهو مذهبه في الأواني يصلي بعددها وزائد إحدى صلوات ، وكذلك في الثياب النجسة ، ووجه قول الجماعة قوله تعالى : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) وأن اليقين لا يحصل بأربع جهات لاحتمال أن تكون الكعبة في جهة بين اثنتين منها ، بل لا يحصل اليقين حتى يصلي ثلاثمائة وستين صلاة ، وهذا لم يقل به أحد ففارقت هذه المسألة مسألة الأواني .

                                                                                                                الثامن قال : لو أخبر مجتهد مجتهدا وهو ثقة خبير عن جهة البلد رجع إليه فإن قبلة البلد لا بد فيها من اجتهادات ، فهي أقرب للصواب من اجتهاد واحد ، وإن أخبره عن اجتهاد نفسه ، سأله عن وجه الاجتهاد ، فإن [ ص: 135 ] تبين لأحدهما صواب الآخر اتبعه وإلا فلا ، فإن فعل فصلاة المأموم منهما باطلة ، فإن طلع الغيم ونسي أحدهما وجه اجتهاده سأل صاحبه ، فإن تبين له صوابه اتبعه ، وإن لم يتبين انتظر زوال الغيم فإن خاف فوات الوقت قلد صاحبه كالأعمى .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية