الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الخامس : في الدفن .

                                                                                                                والمقصود منه ستر سوءات الأموات بالتراب ، وإليه أشار الله تعالى [ ص: 478 ] بقوله : ( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) . والكفت : الضم أي تضم الأحياء ، وتسترهم ببنائها ، والأموات بترابها ، قال اللخمي : وهو واجب قولا واحدا ، وفي الجواهر : قال ابن حبيب : عمقه مثل عظم الذراع ، وقال عمر بن عبد العزيز : احفروا لي ولا تعمقوا ; فإن خير الأرض أعلاها ، وشرها أسفلها ، قال مالك : ليس بمحدود ، ولكن الوسط ، واللحد أفضل من الشق ، وفضل ( ش ) الشق ; لأنه - عليه السلام - ألحد وصاحباه ، واحتج بعمل المدينة . جوابه : أنها سبخة تنهار ، فلذلك لا يلحدون ، وليكن في جهة القبلة ، قال ابن حبيب : وإدخال الميت قبره من ناحية القبلة أفضل ، ويضعه في قبره الرجال ، ويضع المرأة زوجها من أسفل ، ومحارمها من أعلى ، وإن تعذر فصالح المؤمنين ، إلا أن يوجد من قواعد النساء من يطيق ذلك من غير كلفة ، ويستر عليها بثوب حتى توارى في لحدها ، وليس لعدد المباشر للميت حد من شفع أو وتر ، ويوضع في اللحد على يمين مستقبل القبلة ، وتمد يده اليمنى على جسده ، ويحل العقد من رأسه ورجليه حتى تنصرف عنه المواد ، ويسند رأسه بالتراب ، وكذلك رجلاه لئلا يتصوب ، ويرفق به كالحي ، واستحب أشهب أن يقال عند وضعه في اللحد : بسم الله وعلى ملة رسول الله ، اللهم تقبله بأحسن قبول . ثم ينضد اللبن على فتح اللحد ، وتسد الفرج بما يمنع التراب ، قال ابن حبيب : أفضل ما يسد به اللبن ، ثم اللوح ، ثم القراميد ، ثم الآجر ، ثم الحجارة ، ثم القصب ، فكل ذلك أفضل من التراب ، والتراب أفضل من التابوت ، ثم يحثى كل من أربع حثيات ، وروى سحنون أنه غير مستحب ، ثم يهال التراب عليه ولا يرفع إلا بقدر شبر ، ولا يجصص ولا يطين ، ولا بأس بالحصباء ، ووضع الحجر على [ ص: 479 ] رأس القبر ، قال المازري : وتكره الكتابة على القبر ، وقد وضع - عليه السلام - على قبر ابن مظعون حجرا ، وقال هذا أعرف به قبر أخي . وأجاز ( ح ) البنيان نحو التربة اليوم ، وخصص ابن القصار الكراهة بما يضيق على الناس ، وفي الجواهر : قال أشهب وتسنيم القبر أحب إلي ، وإن رفع فلا بأس ، وقبره - عليه السلام - وقبر أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - مسنمة ، وقاله ( ح ) ، وفي الجلاب : يسطح ولا يسنم ، وقاله ( ش ) ، ويرفع من الأرض قليلا بقدر ما يعرف به ; لأنه - عليه السلام - سطح قبر ابنه إبراهيم ، وقبور المهاجرين والأنصار مسطوحة ، وفي الجواهر : ولا يدفن في قبر واحد ميتان إلا لحاجة ، ويرتبون في اللحد بالفضيلة ، الأفضل للقبلة ، والأفضل للمشيع ألا ينصرف إلا بإذن أهل الميت ، والقبر محترم لا يمشى عليه إذا كان مسنما والطريق دونه ، وإن عفا فواسع ، ولا تنبش عظام الموتى عند حفر القبور ، ومن صادف قبرا رد عليه ترابه ، ولا يزاد من قبر على غيره ، وينبش إذا كان القبر أو الكفن مغصوبا ، أو يشح به ربه ، أو نسي معه مال في القبر أو دفن بغير غسل ; أخرج إن كان قريبا ، وقيل : لا يخرج ، قال ابن حبيب : ولو وضع على شقه الأيسر أو ألحد إلى غير القبلة ، أو رجلاه موضع رأسه ; أصلح إن أمن التغير ، وإلا فلا ، قال ابن القاسم : ولا يبقر على جنين الميتة وإن اضطرب ، وأجازه سحنون إن طمع في حياته ; فقيل : هو تفسير ، وقيل : هو خلاف ، وكذلك الدنانير في بطن الميت . وقال مالك : إن استطاع النساء علاجه من مخرجه فعلن ولم يبلغني البقر عن أحد ، قال ابن عبد الحكم : رأيت بمصر رجلا مبقورا على رمكة مبقورة ، قال سند : وإذا أبقرت فمن خاصرتها اليسرى ; لأنها أقرب للولد ، ويلي ذلك أخص أقاربها ، والزوج أحسن فإن كانت الأم نصرانية حاملا بجنين مسلم : قال مالك : تدفن في مقابر النصارى ; لأنه لا حرمة للجنين قبل وضعه ، وقال بعض الشافعية : في مقابر المسلمين ، وقيل : يجعل ظهرها [ ص: 480 ] إلى القبلة ; لأن وجه الجنين إلى ظهرها ، ولو بلع الميت من ماله جوهرة صغيرة نفيسة ، أو وديعة - خوف اللصوص ، قال ابن القاسم : يشق ، ومنع ابن حبيب ، وفرق ابن القاسم بأن الوديعة محققة بخلاف الجنين ، ومن مات في البحر غسل وكفن وصلي عليه وانتظر به البر إن أمن التغير ، وإلا رمي به في البحر مستقبلا محرفا على شقه الأيمن ، قال ابن حبيب : وتشد عليه أكفانه ولا تثقل رجلاه ، وخالفه سحنون ; فالأول ليصل البر فيدفن ، والثاني ليسلم من أكل الطيور ، قال المازري : وظاهر مذهبنا جواز نقل الميت من بلد إلى بلد ، وقد مات سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بالعقيق ، ودفنا بالمدينة ، قال سند : ولو تشاح الورثة : فقال بعضهم : يدفن في ملكي ، وقال بعضهم : يدفن في المقابر المسبلة ، دفن في المسبلة وليس له إبطال حقه من الأرض المسبلة ، ويحمل الورثة أثمانه ، ولأنه كان في نفسه قبل موته ، فكأنه وصى به ، وكذلك لو قال : أنا أكفنه من مالي لم يلزمهم بذلك العدول عن التركة ، فلو حفر له قبر فدفن فيه قوم ميتهم ، فقال بعض العلماء : عليهم مثله ، وقال أبو بكر : قيمة الحفر ، قال : وهو أبين ; لأن المضمون منفعة الحفرة لا عين القبر ، والمنفعة من ذوات القيم ، وإلا كان يجب نبشه ، وفي الجلاب : لا بأس بزيارة القبور ; لقوله - عليه السلام - : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، والآن فزوروها ; فإنها تذكر بالآخرة " .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية