الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن ستر العورة واجب انتقل الكلام إلى تقدير العورة وتحديدها ، فنبدأ بعورة المرأة الحرة لبداية الشافعي بها ، فالمرأة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها وكفيها إلى آخر مفصل الكوع ، وقال داود بن علي ، وابن جرير الطبري : العورة هي السوأتان القبل والدبر من الرجال والنساء والأحرار والعبيد ، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أحد الفقهاء السبعة وأحمد بن حنبل : جميع المرأة مع كفيها ووجهها عورة ، فأما داود فاستدل بقوله تعالى : فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال : فلما غطيا القبل والدبر ، علم أن ما سواهما ليس بعورة ، وبما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا في بعض حوائط المدينة وفخذه مكشوفة ، فدخل أبو بكر ، رضي الله عنه ، فلم يغطه ، ثم دخل عمر ، رضي الله عنه ، فلم يغطه ، ثم دخل عثمان ، رضي الله عنه ، فغطاه رسول الله فقيل له : سترته من عثمان ولم تستره من أبي بكر ، وعمر ، رضي الله عنهما ، فقال : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " . قالوا : فلو كان الفخذان عورة ما استحسن ولا استجاز كشفه بحضرة أبي بكر ، وعمر ، رضي الله عنهما

                                                                                                                                            والدلالة عليه قوله سبحانه : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [ النور : 31 ] . قال ابن عباس : منها الوجه والكفان

                                                                                                                                            وروت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار ؟ فقال : نعم إذا كان الدرع سابغا يغطي قدميها

                                                                                                                                            وروى مالك بن أنس عن أبي النضر ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بئر حمل وأنا مكشوف الفخذ فقال : " غط فخذك فإنها عورة

                                                                                                                                            [ ص: 168 ] وقد روى عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا علي لا تنظر إلى فخد حي ولا ميت فإنها عورة

                                                                                                                                            فأما الآية فلا دلالة لهم فيها ، لأن قوله تعالى : يخصفان عليهما من ورق الجنة [ طه : 121 ] . المراد به على أبدانهما ، وأما الخبر فقد رواه علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، أنه كان مكشوف الساق ، فلما دخل عثمان ، رضي الله عنه ، غطاه والساق ليس بعورة على أنه لو صح ما رواه لاحتمل أمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن أبا بكر ، وعمر كانا من جهة لا يريان فخذه ودخل عثمان رضي الله عنه من جهة يشاهد فخذه

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون قد كشف قميصه عن فخذه وستره بسراويله استئناسا بهما لأنهما صهراه ، فلما دخل عثمان عليه استحى فغطاه ، لأنه كان رجلا كثير الحياة ألا تراه صلى الله عليه وسلم وصفه بالحياء فقال : " إنعثمان رضي الله عنه حيي " على أن المقصود بهذا الحديث إكرام عثمان وإبانة فضله

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية