الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ومن ذكر صلاة وهو في أخرى أتمها ، ثم قضى ، وإن ذكر خارج الصلاة بدأ بها فإن خاف فوت وقت التي حضرت بدأ بها ثم قضى . ( قال المزني ) : قال أصحابنا يقول الشافعي : التطوع وجهان ، أحدهما : صلاة جماعة موكدة لا أجيز تركها لمن قدر عليها ، وهي صلاة العيدين ، وكسوف الشمس والقمر ، والاستسقاء ، وصلاة منفرد ، وصلاة بعضها أوكد من بعض ، فأوكد ذلك الوتر ، ويشبه أن يكون صلاة التهجد ، ثم ركعتا الفجر ، ومن ترك واحدة منهما أسوأ حالا ممن ترك جميع النوافل ، وقالوا : إن فاته الوتر حتى تقام الصبح لم يقض ، وإن فاتته ركعتا الفجر حتى تقام الظهر لم يقض ، ولا أرخص لمسلم في ترك واحدة منهما ، وإن لم أوجبهما . ( وقال ) : إن فاته الوتر لم يقض ، وإن فاته ركعتا الفجر حتى تقام صلاة الظهر لم يقض ، وقالوا : فأما صلاة فريضة ، أو جنازة ، أو مأمور بها مؤكدة ، وإن لم تكن فرضا ، أو كان يصليها فأغفلها ، فليصل في الأوقات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها وبأنه عليه السلام رأى قيسا يصلي بعد الصبح ، فقال : " ما هاتان الركعتان ؟ فقال : ركعتا الفجر . فلم ينكره ، وبأنه صلى ركعتين بعد العصر ، فسألته عنهما أم سلمة ، فقال : هما ركعتان كنت أصليهما ، فشغلني عنهما الوفد وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وأحب فضل الدوام . ( قال المزني ) : يقال لهم فإذا سويتم في القضاء بين التطوع الذي ليس بأوكد وبين الفرض لدوام التطوع الذي ليس بأوكد ، فلم أبيتم قضاء الوتر الذي هو أوكد ، ثم ركعتي الفجر اللتين تليان في التأكيد اللتين هما أوكد ؟ أفتقضون الذي ليس بأوكد ، ولا تقضون الذي هو أوكد ؟ وهذا من القول غير مشكل ، وبالله التوفيق ، ومن احتجاجكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضاء التطوع : " من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها " فقد خالفتم ما احتججتم [ ص: 277 ] به في هذا ، فإن قالوا فيكون القضاء على القرب لا على البعد ، قيل لهم لو كان كذلك لكان ينبغي على معنى ما قلتم أن لا يقضي ركعتي الفجر نصف النهار لبعد قضائهما من طلوع الفجر ، وأنتم تقولون يقضي ما لم يصل الظهر ، وهذا متباعد وكان ينبغي أن تقولوا : إن صلى الصبح عند الفجر أن له أن يقضي الوتر : لأن وقتها إلى الفجر أقرب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر فهذا قريب من الوقت وأنتم لا تقولونه وفي ذلك إبطال ما اعتللتم به " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            وقد مضت هذه المسألة ، وذكرنا اختلاف الفقهاء فيها ، وأن مذهبنا أن ترتيب الفوائت من الصلوات غير واجب في القضاء ، وأن من ذكر صلاة فائتة وهو في فرض وقته ، فجائز أن يمضي في صلاته ويقضي ما فاته ، ودللنا على جميعه بما ليس لنا حاجة إلى إعادته وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية