الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 399 ] فصل

                                                                                                                                                                        يجوز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، بعذر المطر . ولنا قول شاذ ضعيف حكاه إمام الحرمين : أنه يجوز بين المغرب والعشاء في وقت المغرب دون الظهر والعصر ، وهو مذهب مالك . وقال المزني : لا يجوز مطلقا ، وسواء عندنا قوي المطر وضعيفه إذا بل الثوب ، والشفان مطر وزيادة .

                                                                                                                                                                        قلت : الشفان - بفتح الشين المعجمة ، وتشديد الفاء ، وآخره نون - وهو برد ريح فيه ندوة ، وكذا قاله أهل اللغة . وهو تصريح بأنه ليس بمطر فضلا عن كونه مطرا وزيادة ، فكأن الرافعي قلد صاحب ( التهذيب ) في إطلاق هذه العبارة المنكرة . وصوابه أن يقال : الشفان له حكم المطر لتضمنه القدر المبيح من المطر وهو ما يبل الثوب وهو موجود في الشفان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        والثلج والبرد إن كانا يذوبان فكالمطر ، وإلا فلا . وفي وجه شاذ : لا يرخصان بحال . ثم هذه الرخصة لمن يصلي جماعة في مسجد يأتيه من بعد ويتأذى بالمطر في إتيانه . فأما من يصلي في بيته منفردا أو في جماعة ، أو مشى إلى المسجد في كن ، أو كان المسجد في باب داره ، أو صلى النساء في بيوتهن جماعة ، أو حضر جميع الرجال في المسجد وصلوا أفرادا ، فلا يجوز الجمع على الأصح . وقيل : على الأظهر . ثم إن أراد الجمع في وقت الأولى ، فشروطه كما تقدمت في جمع السفر . وإن أراد تأخير الأولى إلى الثانية كالسفر لم يجز على الأظهر الجديد ، ويجوز على القديم . فإذا جوزناه ، قال العراقيون : يصلي الأولى مع الثانية ، سواء اتصل المطر أو انقطع . وقال في ( التهذيب ) : [ ص: 400 ] إذا انقطع قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع ، ويصلي الأولى في آخر وقتها كالمسافر إذا أخر بنية الجمع ثم أقام قبل دخول وقت الثانية ، ومقتضى هذا أن يقال : لو انقطع في وقت الثانية قبل فعلها امتنع الجمع وصارت الأولى قضاء كما لو صار مقيما . وعكس صاحب ( الإبانة ) ما قاله الأصحاب واتفقوا عليه ، فقال : يجوز الجمع في وقت الثانية . وفي جوازه في وقت الأولى ، وجهان . وهذا نقل منكر . وأما إذا جمع في وقت الأولى فلا بد من وجود المطر في أول الصلاتين ، ويشترط وجوده أيضا عند التحلل من الأولى على الأصح الذي قاله أبو زيد وقطع به العراقيون وصاحب ( التهذيب ) وغيرهم . والثاني : لا يشترط . ونقله في ( النهاية ) عن معظم الأصحاب . ولا يضر انقطاعه فيما سوى هذه الأحوال الثلاث . هذا هو الصواب الذي نص عليه الشافعي ، وقطع به الأصحاب في طرقهم . ونقل في ( النهاية ) عن بعض المصنفين أنه قال : في انقطاعه في أثناء الثانية أو بعدها مع بقاء الوقت الخلاف المتقدم في طريان الإقامة في جمع السفر . وضعفه وأنكره ، وقال : إذا لم يشترط دوام المطر في الأولى فأولى أن لا يشترط في الثانية وما بعدها . وذكر القاضي ابن كج عن بعض الأصحاب : أنه لو افتتح الصلاة الأولى ولا مطر ثم مطرت في أثنائها ففي جواز الجمع القولان في نية الجمع في أثناء الأولى . واختار ابن الصباغ هذه الطريقة ، والصحيح المشهور ما قدمناه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر للمطر ، فإذا قدم العصر فلا بد من وجود المطر في الأحوال الثلاثة كما تقدم . قال صاحب ( البيان ) : ولا يشترط [ ص: 401 ] وجوده في الخطبتين ، وقد ينازع فيه ذهابا إلى جعلهما بدل الركعتين . قال : وإن أراد تأخير الجمعة إلى وقت العصر جاز إذا جوزنا تأخير الظهر ، فيخطب في وقت العصر ويصلي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        المعروف في المذهب : أنه لا يجوز الجمع بالمرض ولا الخوف ولا الوحل . وقال جماعة من أصحابنا : يجوز بالمرض والوحل . ممن قاله من أصحابنا : أبو سليمان الخطابي والقاضي حسين ، واستحسنه الروياني . فعلى هذا يستحب أن يراعي الأرفق بنفسه ، فإن كان يحم مثلا في وقت الثانية قدمها إلى الأولى بالشرائط المتقدمة ، وإن كان يحم في وقت الأولى أخرها إلى الثانية .

                                                                                                                                                                        قلت : القول بجواز الجمع بالمرض ظاهر مختار . فقد ثبت في ( صحيح مسلم ) : أن النبي صلى الله عليه وسلم ( جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر ) . وقد حكى الخطابي عن القفال الكبير الشاشي ، عن أبي إسحاق المروزي جواز الجمع في الحضر للحاجة من غير اشتراط الخوف ، والمطر ، والمرض ، وبه قال ابن المنذر من أصحابنا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 402 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا جمع الظهر والعصر صلى سنة الظهر ثم سنة العصر ثم يأتي بالفريضتين . وفي جمع العشاء والمغرب يصلي الفريضتين ثم سنة المغرب ثم سنة العشاء ثم الوتر .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي قاله الإمام الرافعي في المغرب والعشاء صحيح ، وأما في الظهر والعصر فشاذ ضعيف ، والصواب الذي قاله المحققون : أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها ، ثم يصلي الظهر ، ثم العصر ، ثم سنة الظهر التي بعدها ، ثم سنة العصر . وكيف يصح سنة الظهر التي بعدها ، قبل فعلها ، وقد تقدم أن وقتها يدخل بفعل الظهر ؟ ! وكذا سنة العصر لا يدخل وقتها إلا بدخول وقت العصر ، ولا يدخل وقت العصر المجموعة إلى الظهر إلا بفعل الظهر الصحيحة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية